صدرت المذكرة الوزارية رقم: 20-271 الخاصة باستعمال مسطحة "تيمز" (Teams)، المدمجة في منظومة مسار للتعليم عن بعد، بتاريخ 20 مارس 2020، من أجل تفعيل خطة الاستمرارية البيداغوجية عبر إنشاء واستضافة الأقسام الافتراضية المسندة للأساتذة بسلكي التعليم الثانوي التأهيلي والثانوي الإعدادي. وهذا الإجراء المفاجئ في ظرفية عصيبة استثنائية، وضع الأساتذة بين المطرقة والسندان، مما أدى إلى تعدد آرائهم حول العملية التعليمية التعلمية المفروضة عليهم دون تشاور أو إعداد مسبق. الطائفة الأولى من الأساتذة: ترفض بشكل قاطع الانخراط في عملية التعليم عن بعد، لأن الوزارة حسب رأيهم تهدف إلى استغلال ظرفية حالة الطوارئ لتنزيل المادة: 33 من قانون الإطار رقم:17- 51، وهذا سيؤدي لا محالة إلى تقويض مكتسبات الشغيلة التعليمية والإجهاز على المدرسة العمومية عن طريق تحقيق الغايات الآتية: 1- تنويع مصادر التمويل الذي تكرر ذكره في جميع الوثائق التربوية، وذلك بتحويل جزء من التعليم إلى خدمة مقابل الأداء، وآلية التعليم عن بعد ستحقق هذا الغرض بشكل جيد (شراء الحواسيب، الهواتف الذكية، الربط بشبكة الإنترنيت....). 2- تحويل التعليم إلى سوق مربحة للشركات الكبرى التي تهيمن على الاقتصاد الرقمي (إعداد المنصات التعليمية، إعداد العدة البيداغوجية الرقمية، البرامج...). 3- ربط الأجر بالعمل والترقية بالمردودية، والتعليم عن بعد إحدى الآلية الأساسية لتحقيق ذلك، بحيث سيجري تقييم أداء الأستاذ بمدى جودة المضمون البيداغوجي الرقمي الذي قدمه، وعدد التلاميذ الذين تواصل معهم، والمدة الزمنية التي استغرقها في هذا التواصل الافتراضي، وعلى أساس كل ذلك ستقرر هيئة التفتيش والمراقبة في مصير ترقيته من عدمها. 4- إقرار التعليم عن بعد لا علاقة له بالأهداف التربوية وجودة التعليم، بل له علاقة بالتوازنات المالية وكتلة الأجور المرتفعة، والتحكم في الأساتذة عن طريق تشديد الرقابة عليهم عبر منصة "تيمز" و"مسار"، سيخفض من أجورهم، ويقلص من حجم التوظيفات في المستقبل، والتدابير الإجرائية المتخذة على الصعيد الجهوي والمحلي بعد صدور المذكرة السالفة تؤكد ذلك. الطائفة الثانية: تؤيد هذا الإجراء، وتعتبره واجبا دينيا ومسؤولية أمام الله تعالى الذي مكن الأستاذ دون غيره من تلك الأدوات، وأنعم عليه بها، وفضله على كثير من خلقه بها، فعليه أن يعمل مع تلامذته ويهيئ الدروس ويتفاعل معهم، فهو مأجور على ذلك لا محالة، وهي فرصة سانحة لتطوير الذات وتجاوز العقبات، وتقديم خدمات جليلة لمنظومة التربية والتعليم في ظرفية استثنائية من جهة وأمام ضعف التلاميذ معرفيا من جهة أخرى. كما أن تحسين الأداء التربوي بإعداد الدروس وتقديمها بوسائط حديثة توفر الجهد والوقت وتعطي النتائج المرجوة، مما يستوجب التسابق لخدمة أبناء الوطن، والتجارة مع الله وليس مع الوزارة الوصية على القطاع. فإنشاء الاقسام الافتراضية تتيح للأستاذ مميزات كثيرة للتأثير على المتعلمين عبر استعمال النصوص التقديمية، أو النصوص الرقمية، أو تقنيات الصوت أو الفيديو...، فالواجب الشرعي عند هذه الفئة أقوى من الواجب القانوني، فحتى لو لم تفرض الوزارة على الأساتذة التدريس عن بعد، فمن باب أولى يفرضه الشرع الحكيم الذي يدعو المسلم الى البحث عن كل الطرق لزرع الخير عسى أن يكون من جنوده المسخرين لخدمة البناء الحضاري للأمة، فالأستاذ ينبغي أن يكون ربانيا منهجا وتعاملا في هذه الفترة التاريخية، ولا يتسابق على غنائم الدنيا، لأن رسالته أعظم وتتضمن أولويات. الطائفة الثالثة: تقبل بهذا الإجراء، لكنها ترى أن الوزارة غير مهيأة مطلقا لتقديم تعليم عن بعد في هذه الظرفية، ولا يمكن أن تتهيأ على المدى القريب، لأن هناك ضرورة للاشتغال على أكثر من مستوى لضمان تعليم عن بعد ناجع ومثمر، وهي: 1- تحقيق العدالة بين جميع أبناء المغاربة للولوج إلى هذه الخدمات الرقمية، فلا يمكن أن نساوي بين الفئات الهشة والضعيفة والمتوسطة والغنية وكأنها فئات تمتلك الفرص المتساوية للاستفادة الناجعة من هذا النوع من التعليم. 2- تكوين الأساتذة من أجل القيام بالمتعين عليهم، لأن الذي يلقي درسا تعليميا عن بعد يحتاج إلى كفايات خاصة تهم هذا الأسلوب من التعليم. 3- ضرورة الاجتهاد لإيجاد مناهج وطرق ديداكتيكية تناسب التعليم عن بعد، لأنها تختلف جذريا عن طرق التعليم المباشر، فالأستاذ في القسم الافتراضي لا يلامس ولا يستطيع أن يتدخل في البعد النفسي للمتعلم، وما يحيط به أثناء الزمن الدراسي للحصة، ولا يستحضر الفروق الفردية الحاسمة في التعليم الجماعي، ولا يتمكن من بناء تلك الروابط العاطفية بينه وبين المتعلم، وغيرها من الشروط التي يوفرها وجود المتعلمين في الفصل الواحد. 4- تزويد جميع المدارس العمومية بموارد وسائطية، موصولة بالشابكة. 5- دعم تزويد الأساتذة بحواسيب محمولة موصولة بالإنترنيت... وبما أن منظومتنا التعليمة لا زالت تشكو من نقص في الأدوات الديداكتيكية والبيداغوجية، وضعف في البنية التحتية التكنولوجية، فإن التعليم عن بعد سيبقى حالة استثنائية في ظرف طارئ. *دكتوراه في القانون العام