أسهمت التطورات المترتبة عن تفشي الجائحة الوبائية "كوفيد-19" عبر بلدان العالم في الاعتماد المتزايد على الوسائل الرقمية والآليات التكنولوجية، بوصفها البديل الرئيسي لتسيير وتيسير الحياة اليومية، حيث لجأت مختلف مجتمعات العالم إلى آلية العمل والتعليم عن بعد، بغية الحرص على متابعة الناشئة التعليمية لدروسها بشكل طبيعي من جهة، وحفاظ الموظفين والمستخدمين على الأدوار اليومية التي يقومون بها في الشركات التي يعملون بها. هكذا، خصّصت دورية "دراسات خاصة" الصادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عددها الثالث لموضوع الخدمات التكنولوجية في "زمن كورونا" بعنوان: "كيف تغير التكنولوجيا إدارة الحياة اليومية خلال أزمة كورونا؟"، من إعداد الباحث إيهاب خليفة، رئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية، الذي لفت إلى استمرار العمل داخل المؤسسات والمصالح الحكومية ولكن "عن بعد"، وذلك من خلال نظم الحكومة الذكية التي تقدم الخدمات للمواطنين عبر الإنترنت. وقال الباحث إن "الانتشار المتسارع لفيروس كورونا المستجد حول العالم، وتحوله إلى جائحة وفقاً لتصريحات منظمة الصحة العالمية، أدى إلى قيام العديد من الدول باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة للتعامل مع الوباء العالمي، بهدف تضييق نطاق انتشار الفيروس قدر المستطاع، حتى يتم إيجاد المصل اللازم للعلاج، ومن هذه الإجراءات مثلا: عمل حجر صحي احتياطي للأفراد داخل المنازل، وفرض حظر التجوال على بعض المناطق والمدن، وكانت نتيجة ذلك أن توقفت معظم مظاهر الحياة اليومية في العديد من الدول حول العالم". وأضاف خليفة أن "الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في عملية التحول الرقمي نحو مفاهيم الحكومة الذكية والدولة الذكية لم تكتفِ بتسيير الحياة بشكل شبه طبيعي، بل اعتمدت أيضاً على التقنيات الذكية التي استثمرت فيها خلال السنوات الماضية في محاربة انتشار المرض، فقيّدت التعامل بالأوراق النقدية التي يمكن أن تتسبب في نشر الفيروس من شخص لآخر"، و"استخدمت نظم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات كبديل للطواقم البشرية والطبية لتقديم الخدمات الضرورية للمريض". وتابعت الدراسة قائلة: "إذا كانت البشرية استطاعت أن تحقق مفهوم التباعد الاجتماعي للحد من انتشار كورونا، فهي قد حققت العكس أيضا في الوقت نفسه، من خلال مفهوم التقارب الافتراضي عبر زيادة التواصل الافتراضي بين الأفراد من خلال الأنترنت"، موردة أن "الطرق الحالية التي تتبعها الدول في محاولة اكتشاف الفيروس تتميز بقدر محدود من الفاعلية، تضمن تأخر عملية انتشار الفيروس أكبر وقت ممكن". ويرجع ذلك، وفق المصدر عينه، إلى أسباب رئيسية، لخّصها الباحث في كون محاولات المواجهة "بعدية" وليست "قبلية"، ولا تضمن الأساليب التقليدية المعتمدة الكشف عن جميع المصابين، ثم عدم التزام الأفراد بتعليمات السلطات، مشيرا في المقابل إلى بروز آليات غير تقليدية للكشف المبكر، من بينها استعمال الروبوتات و"الدرونز" للتوعية والمسح الطبي للأفراد، واستخدام سيارات ذاتية القيادة لنقل المرضى وتوظيف البيانات العملاقة لمحاصرة الوباء، وكذا الاستعانة بأنظمة التجسس والتتبع والاختراق وتطبيقات الهاتف لمراقبة المرضى، وغيرها. وتابع الباحث قائلا: "لم تتعرض الصناعات كافة لخسائر مالية كبرى جراء انتشار فيروس كورونا، بل هناك عدد من الصناعات التي شهدت طفرة كبيرة، مثل قطاع التجزئة والمطهرات والمنتجات الصحية، ومن هذه القطاعات أيضاً البرمجيات، حيث ازدهرت الأدوات التي تسهل عملية التواصل والتعليم والعمل عن بعد". ولفتت الدراسة إلى أن "الأزمة أثبتت أن الأنترنت والتكنولوجيا هما سبيل الإنسان الوحيد لتسيير حياته بصورة شبه طبيعية في ظل كارثة إنسانية كبرى مثل وباء كورونا"، ولعل ما ميز هذه التجربة أنها جعلت الأفراد يستخدمون الأنترنت كما خلق ليكون، أي العمل والتعليم ومشاركة المعلومات والمصادر وتوجيه الرأي.