في سياق الأزمة الصحية التي تعيشها بلادنا كجزء لا يتجزأ من العالم، تجد اليوم العديد من المؤسسات نفسها على هامش دينامية صناعة القرار العمومي. وهي حالة عطالة استثنائية فرضها علينا وضع زمني خاص أعلنا فيه الحرب على فيروس كورونا (كوفيد 19)، غايتنا جميعا ربح السلامة الصحية لمختلف المواطنات والمواطنين بسائر ربوع الوطن، ومن أجل ذلك تعبأت كل القوى الحية بالبلد إلى جانب مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها وراء جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. غير أن خصوصية مؤسسة البرلمان وكذا مهام الفاعل البرلماني، سواء كان نائبا برلمانيا بالغرفة الأولى أو مستشارا برلمانيا بالغرفة الثانية، تلزمنا بنهج خط معاكس للقيود والعراقيل الصحية الكبيرة التي يضعها أمامنا هذا الفيروس الذي ألزم العالم بأسره باتباع قاعدة جديدة اصطلح عليها: النضال من داخل البيوت المقفلة، وهو الموضوع الذي يسائل بعيدا عن أي حسابات سياسية ضيقة البرنامج الحكومي الذي أعلنت من خلاله الحكومة منذ اليوم الأول عن محور خاص يهم الرقمنة والتحديث كاستثمار كبير في تعليمنا العمومي. لقد أسس دستور 2011، باعتباره ميثاق تعاقد الأمة المغربية، للأطر المعيارية التي لا يحق لممثل الأمة المستشعر لثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه إلا أن يسترشد ويتشبث بها في وضع خاص واستثنائي كالذي نعيشه اليوم ببلادنا، ومن ذلك أجد نفسي اليوم ملزما انطلاقا من الوضعية الاعتبارية التي أتحمل مسؤوليتها كعضو بالبرلمان المغربي ونائب لرئيس مجلس النواب بلفت الانتباه إلى أن التوقف العادي لعمل المؤسسة التشريعية، إثر اختتام الدورة التشريعية السابقة، ألزم الحكومة بتطبيق الفصل ال81 من الدستور حينما وجدت نفسها ملزمة بشكل عاجل وآني لاستصدار مرسوم بقانون يهم حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها باتفاق مع اللجان البرلمانية وتحت شرط عرضه على مصادقة البرلمان بغرفتيه خلال دورته العادية الموالية. وعلى هذا الأساس، يظهر بشكل جلي التكامل والتعاون المؤطر دستوريا بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية ومدى حاجة الأولى إلى الثانية باعتبارها صوتا رقابيا يعبر عن أسمى إرادة الأمة. إننا لا شك، على بعد أيام من افتتاح الدورة التشريعية يوم الجمعة 10 أبريل 2020، ليكون مجلس النواب أمام معترك إنفاد الدستور ونظامه الداخلي في وقت تتفاعل فيه الحكومة مع إحدى أشد الأزمات المستجدة التي عرفها البلد في تاريخه المعاصر بشكل يجعل الجميع متسائلا عن مآل أحقية النائب البرلماني إلى جانب المواطنات والمواطنين في الوصول إلى المعلومة، ولا سيما إذا كانت هذه المعلومة ترتبط بمحاولات بناءة لتقديم الدعم المطلوب والمشورة اللازمة لإنقاذ أرواح أبناء البلد الواحد. إن حزبنا الأصالة والمعاصرة، كأول قوة معارضة في البلد، ملزم أكثر من أي وقت بالتنزيل الفعلي والناجع للمكانة الخاصة التي أولاها الدستور المغربي للمعارضة البرلمانية والتي تعد مكسبا لم يسبق لكل الدساتير المغربية المتعاقبة أن اعترفت به؛ فالفصل ال10 من الدستور اعترف بمحورية دور المعارضة كمكون أساسي بالبرلمان يقوم بمهام متعددة، ولا سيما في ميدان التشريع ومراقبة الأداء الحكومي. إن الفرصة سانحة أمامنا للاضطلاع بأدوارنا كإحدى الحساسيات النابضة من قلب المجتمع، المستمعة لهمومه والمبادرة لإعلاء صوته داخل مؤسساته الدستورية. ومن ذلك، فإننا في حاجة ماسة إلى انبثاق وعي مشترك بمدى دقة وحساسية المرحلة التي بقدر ما تحتاج إلى تعبئة وطنية كبرى للخروج من هذه الأزمة العابرة بإذن الله، بقدر ما تحتاج إلى معارضة جادة تلتحم مع مكونات الأمة في لحظات الإجماع الوطني وتؤدي دورها الدستوري لتقويم كل اعوجاج كلما احتاجها الوطن. حفظ الله بلادنا من كل شر. *النائب الثاني لرئيس مجلس النواب