هذا ليس وقت التباكي على الأوضاع العامة، وليس وقت انتقاد المنظومة الصحية وطريقة اشتغالها، كما أنه ليس وقت انتقاد الحكومة لعدم استجابتها لقضية ترشيد النفقات العمومية في ما مضى... فيا ما ارتفعت أصوات وأصوات في هذا الصدد ولكنها ظلت معزولة منذ ما يزيد عن عقد ونصف العقد، لأن يد واحدة لا تصفق...لقد كانت مشكلتنا دائما أنه لا يهتم ببعض أوضاع الإدارة المزرية سوى من لم يتم إنصافه، ولا يهتم بأوضاع الصحة العمومية سوى من كان مريضا وفقيرا لا قدرة له على شراء خدمات المصحات الخاصة -في الداخل والخارج- قبل أن تتدهور أوضاع هذه الأخيرة أيضا، وهكذا دواليك في شتى المجالات الأخرى... لقد كانت مشكلتنا دائما تكمن في تلك الأنانية المرضية القاتلة الفتاكة التي انتشرت في جميع أوساط المجتمع بدون استثناء بتاتا، ولنقل إلا من رحم ربي... هذا وقت تضافر الجهود والتضامن وتقديم المساعدة بقلب سليم ولو بمجرد كلمة طيبة، قصد المساهمة في رفع المعنويات العامة، ذلك لأن الإحباط يسبب ضعف المناعة... هذا وقت تشجيع أطر الصحة العمومية المدنية والعسكرية، من ممرضين ومقدمي الرعاية الصحية، والساهرين على النظافة، والأطباء. هذا وقت تشجيع السلطة المحلية والقوات المساعدة والأمن الوطني. هذا وقت الدعاء بقلوب طاهرة مطهرة من كل حقد. طيب. الطب وقدراته المتواضعة في مواجهة كورونا، والحجر الصحي وضرورته القصوى للحد من انتشار الجائحة، والنظافة، والوقاية، وتقوية المناعة إلى آخره...كلها مواضيع قدمت بشأنها ما يكفي من نصائح وتوجيهات من طرف الأخصائيين مشكورين، كما قامت الدولة بتوعية الناس في هذا الخصوص على أحسن وجه وباستماتة وإصرار مشكورة. وأما مسألة ربط كورونا بالمعاصي والظلم وبالإنفاق العمومي في غير محله، فلقد غزت مواقع التواصل الاجتماعي، سواء تم ذلك من طرف فقهاء أو مناضلين جمعويين أو مثقفين وغيرهم، كل حسب توجهه أو التيار الذي ينتمي إليه، سواء كان يساريا أو يمينيا أو وسطيا، أو مستقلا. ولكن العجيب في قضية كورونا أنها، إلى حد كتابة هذه السطور، ضربت بقوة الدول المتقدمة التي لديها بنية تحتية صحية ممتازة، ولم تهاجم الدول النامية، أو المتخلفة، أو المستضعفة، بنفس الشراسة. اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به. "فرضت "صفقة القرن" بالقوة.. سكت العالم، فأغلقت كورونا الكنائس والمعابد والمساجد، ثم سجنت الجميع، أثرياء وفقراء، أقوياء وضعفاء..."، هذا رأي منتشر في كثير من الأوساط التي سئمت من التفسيرات والشروحات والتأويلات العلمية المتضاربة، رأي اتضح له ضعف العلم والطب الذي فشل حتى في إيجاد مصل ضد السرطان أو الربو مثلا، فلجأ أو عاد إلى قوة الدين لمحاولة فهم ما يجري وما يدور. طيب. لن يفيد التطرف، كيفما كانت مرجعيته، في شرح أسباب انتشار كورونا. وأما العلم فلن يقضي على كورونا. لا تملك الإنسانية سوى الوقاية، من نظافة ونبذ احتكاك الناس بعضهم ببعض إلى آخره...وتخفيف أعراض المرض قدر الإمكان عن المصابين بهذا الداء الفتاك الخطير العجيب، عبر أجهزة التنفس الاصطناعي وبعض الأدوية التي لا نعرف تأثيراتها الجانبية بدقة على المدى المتوسط، فما بالك بالمدى البعيد... طيب. الحقيقة أنه لأول مرة في تاريخ الإنسانية المذكور، يلتقي الملحدون والمؤمنون على كون ما يجري الآن في العالم من انتشار رهيب لكورونا ما هو سوى نتيجة لأنانية الناس.. فكورونا أثبتت أن جميع دول العالم، سواء كانت ديكتاتورية أو ديمقراطية، ليس لديها ما يكفي من بنية تحتية صحية لمواجهة وباء صغير جدا من حجم كورونا؛ فلو تطور هذا الوباء، لا قدر الله، لقهر بلدان ألمانيا واليابان والصين وفرنسا وروسيا وأمريكا وحلفاءها، في حين أن أموالا ضخمة يا ما صرفت على اللعب واللهو، وأسلحة كنا نحسب أن بأسها شديد، إلى أن جاءت كورونا واستهزأت من ضعفها وحقارتها... كورونا فيروس قاتل..صحيح، ولا ندري من منا سيكون من المصابين به. نسأل الله العفو والصحة والعافية والنجاة من هذا الوباء. نحن مغاربة، أغلبيتنا الساحقة تؤمن بالله عز وجل في علاه، وربما من بيننا أولياء الله (-لا يعلمون أنهم أولياء الله-) لا يعلم بوجودهم أحد سواه سبحانه، ومن بيننا من يرتكب بعض المعاصي، ضعفا لا كفرا، ولكنه يستغفر الله سبحانه وتعالى لأنه هو الغفور الغفار الرحمان الرحيم. ولكن كلنا بكل فئاتنا نعلم علم اليقين أن الظلم سبب مآسينا، ظلمنا لبعضنا البعض كما ظلم بعض أقويائنا لبعض ضعفائنا... ليست لدينا بنية تحتية صحية. ليست لدينا إدارة متقدمة.. صحيح، ولكن يمكننا تدارك الأمر بعد أن يرفع الله عنا هذا الوباء القاتل. ستضعف كورونا أو ستذهب إلى حال سبيلها بعيدا عنا إن شاء الله. الدولة تقاوم بكل ما أوتيت من قوة، والمواطنون يلزمون بيوتهم ويعملون بنصائح المتخصصين قدر الإمكان، يبقى فقط الدعاء الصالح بقلوب خالية من كل كبر، خالية من كل حقد... ولنستوعب الدرس: لا للأنانية!.