يتمدد فيروس كورونا عبر القارات، وتتوالى الأرقام والإحصاءات، حول ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، فتسارع الدول إلى اتخاذ القرارات: إغلاق الأجواء ووقف الرحلات، الحد من السفر والتحركات، غلق المقاهي والحداق والساحات، تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، تعطيل الأنشطة والمباريات والدوريات، تأجيل القمم والمؤتمرات، حظر اللقاءات والتجمهرات، وحتى أماكن العبادة خلَت من المصلين والمصليات، من مختلف الأديان والمعتقدات. العالم أمام مشهد غير مسبوق يرسمه هذا التسونامي الخفي القادم من الشرق، ولئن كانت الصين قد نجحت باقتدار في محاصرة كورونا داخلياً، فإن هذا الوباء تحول بسرعة الضوء إلى جائحة عالمية، تصدرت عناوينه الصحف والشاشات، وملأت أخباره وسائل التواصل والإذاعات، كُتب عنه كثير من المقالات، ورُصدت له مباالغ بالمليارات، وتوالت التحذيرات للسكان، عبر الخطب والمنشورات، أن الزموا البيوت ولا تخرجوا إلا لقضاء الحاجات، وأن البسوا الكمامات والقفازات، واهتموا بالنظافة والمعقمات، وتجنبوا اللمس والمصافحات، والعناق والقبلات، فكورونا مرضٌ خطيرٌ متربصٌ بكل الأعمار والطبقات، وعابرٌ للأجناس والحضارات، ولا يميز بين الأصحاء وذوي العاهات، ولا بين الفقراء وأصحاب الثروات. تعاظم القلق لدى الشعوب والحكومات، اضطربت الأسواق وهوت البورصات، دبّ الرعب في نفوس الآباء والأمهات، وامتد الخوف للمصحات والمستشفيات، فقد أصيب أطباء وممرضات، وأعلنت المعاهد والمختبرات، أن لا دواء ينفع حتى الآن ولا لقاحات، ولا سبيل للنجاة، إما محيا وإما ممات، الكل حيران ينتابه هلع كبير مما هو آت.. الهلع كما تقول التعريفات، خوفٌ مرضيٌ وجزعٌ شديدٌ، يصل إلى حد الهوس. وفي مثل هذه الحالات، يمكن القول أن سكان العالم أضحوا يعيشون في هوس وفوبيا صحية من الفيروسات، وكذلك فوبيا اجتماعية تجاه الأشياء والأفراد والجماعات، وذلك لعمري من أشد الفتن وأعظم الآفات.. فكم نفساً قد تذهب حسرات، ليس إصابةً بالميكروبات، ولكن رعباً من هلاكٍ وشيكٍ ومما يخبئه قادم الأيام والساعات. على الناس الالتزام بتنفيذ التعليمات، لا التسابق على المتاجر والمحلات، وتخزين المؤن والمنتجات. الصبر والتضامن مطلوب لتخطي المحن والأزمات. وعلى الأطباء والدعاة ورجال الدين، وكل القنوات والجهات، أن يكثفوا رسائل التوعية والتطمينات، بأننا نستطيع بوحدتنا وتضامننا أن ننتصر، وبأن الأزمة الراهنة سوف تمر، وسوف تستمر الحياة. أما الحكومات فهي معنية بتبني أنجع السياسات، وإعادة ترتيب الأولويات، في مختلف القطاعات والمؤسسات، حفظُ الصحةِ مقدمٌ على أي برامج أو تطلعات، وهو أهم الاستحقاقات، فإذا مرض المجتمع فما جدوى بناء الأبراج والعمارات، وما قيمة الأرقام والإحصاءات حول معدلات النمو والامكانيات. وفي غياب الصحة فلا معنى لأي إنجازات، ولا للتقدم والتكنولوجيات، ولا حتى للديمقراطية والحريات. وعربياً هناك ضرورة أكثر من أي وقت مضى لتضافر المجهودات، وإحالة ما اتفق عليه من استراتيجيات في مجال البحث العلمي والابتكارات، إلى الملموسِ من المشروعات، والمشتركِ من المعاهد والمختبرات، من قبيل إنشاء مختبر عربي عالي للصحة، يضم أبرز الكفاءات والمهارات، ويعنى بالدقيق من الأبحاث والدراسات، في مجال محاربة الفيروسات، من أجل تحصين مناعة الأمة ضد أخطر الأوبئة والتحديات. أما المجتمع الدولي والمنظمات، فيجب ألا يكتفي بالبيانات والإعلانات، وعليه أن يعزز التعاون ويدع الخلافات، وأن يكثف التجارب والأبحاث، ويسابق الزمن ويختصر المسافات، للتصدي لكورونا، وإنقاذ الأرواح والحياة، ومصير البشرية.. كلها، فذلك السبيل الأوحدُ للنجاة، وتلك هي أسمى الغايات. وقبل ذلك وبعده لا مناص من التضرع إلى بارئ الأرض والسماوات، بأن يرفع هذا الوباء في أسرع الأوقات، إنه مجيب الدعوات. *باحث مغربي