نصائح وإرشادات من المكتب العلمي الجمعية المغربية لطب المستعجلات والجمعية المغربية للتخدير والإنعاش وعلاج الآلام منذ بدء الخليقة والإنسان يتعرض لمجموعة من المخاطر، وتتهدد حياته على إثر الإصابة بمجموعة من الأمراض، خاصة منها التعفنية والفيروسية. لكن الإنسان استطاع بتوفيق من الله، التعامل مع كل هاته الأزمات الصحية بنوع من الذكاء، جعلته يستفيد من تجاربه في كل مرة خرج منتصرا فيها وتوصل إلى العلاج المناسب. ومع توالي الأيام، ورغم تزايد خطورة هذه الأمراض، كان الإنسان دائما في الموعد، وتضاعفت قدرة مقاومته لها. واليوم نشهد شكلا من أشكال هذه المقاومة، مع ظهور ما يسمى بفيروس كورونا المستجد 2019. لذلك ارتأت الجمعية المغربية لطب المستعجلات والجمعية المغربية للتخدير والإنعاش وعلاج الآلام، تقديم هذا التوضيح للشعب المغربي، مساهمة منهم في نشر المعلومة الصحيحة، ومن أجل تعميم الفائدة حتى يمكن لنا جميعا مقاومة هذا الوباء، وحتى تمر إن شاء الله هذه الأزمة الدولية بأقل الأضرار على عموم أبناء الوطن. جدير بالذكر أن المغرب بلد منفتح على العالم، بفضل موقعه الجغرافي وكرم الضيافة المعروفة عن المغاربة منذ الأزل. هذه الخصائص جعلت من المغرب ومنذ عصور، قبلة الوافدين من جوانب الأرض الأربعة. وبطبيعة الحال أصبح المغرب يعيش ما يعيشه الآخرون من ازدهار ويصيبه ما يصيبهم حتى من أزمات. وسنحاول بعد هذه المقدمة الإجابة عن مجموعة من التساؤلات التي تقض مضجع المغاربة، سواء تعلق الأمر بالمقيمين بالخارج أو بأرض الوطن. ما هو فيروس كورونا؟ الفيروسات هي نوع من الميكروبات، يعني كائنات مجهرية لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، والتي تضم أيضا البكتيريات والفطريات والطفيليات. وهي عبارة عن شبه خلايا تحتوي بوسطها على موروث جيني، ولا يمكن لهذه الفيروسات أن تتكاثر إلا بعد الدخول إلى خلية أخرى سواء كانت بشرية أو حيوانية، وبالتالي للحفاظ على بقاء الفيروس لا بد له أن يحتل كائنا حيا آخر. وفيروس كورونا موضوع مادتنا ينتمي إلى عائلة كورونا، وهذا الاسم راجع للشكل المتميز لهذا الفيروس الذي يجعله يظهر وكأنه حامل لتاج، ولهذا أطلق عليها الفيروسات التاجية. وهذه العائلة المحترمة تضم ستة أنواع من الفيروسات، اثنان منها سبق أن تسببا في أوبئة عالمية، وهما: SRAS-COV: الذي انتقل من الخفافيش إلى الإنسان عبر نوع من القطط البرية تسمى بالسنور المقنع، وظهر في الصين في عام 2002 وتسبب في وباء عالمي سجل بماي سنة 2003، وكان سببا في وفاة 774 شخصا، أغلبهم صينيون ومن هونغ كونغ. MERS-COV: الذي ظهر في المملكة العربية السعودية عام 2012 وتسبب في وفاة 449 شخصا، أغلبهم من منطقة الشرق الأوسط، وهذا الفيروس انتقل أيضا من الخفافيش إلى الإنسان عبر الجمال، وخاصة عبر تناول ألبان وأجبان النوق، ولازال تأثير هذا الفيروس ساري المفعول ويتسبب كل سنة بمجموعة من الوفيات لكنها ظلت محدودة. وفيروس كورونا المستجد هو نوع جديد تماما من هذه العائلة لم يسبق للإنسان أن عثر عليه إلى حد الساعة، ويشكل إذن سابع أنواع كورونا، أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية في 31 دجنبر 2019، وظهر لأول مرة في مدينة ووهان الصينية وبالضبط في سوق بيع الحيوانات والخضر، الذي صنف كبؤرة انتشار هذا الفيروس، وتمت تسميته علميا ب n-COV 19 وفي مرحلة متقدمة تم تغيير اسمه إلى COVID 19. وكسابقيه، فإن هذا الفيروس انتقل أيضا من الخفافيش بعد مروره بحيوان بري يدعى البنغول le pongolin ووصل إلى الإنسان. والمميز في هذا الفيروس أنه لا يتحمل درجات الحرارة العالية. كيف تنتقل العدوى من شخص إلى آخر؟ كما سبق أن ذكرنا، لكي يتسنى للفيروس أن يتكاثر لا بد له من احتلال خلية حية، لتصير الخلية المريضة كمعمل لإنتاج الفيروسات الوليدة. بعدها يعشش الفيروس في الجهاز التنفسي للحيوان أو الشخص المريض، وذلك على مستوى الرئة والمسالك الهوائية حتى يصل إلى الخياشيم والجيوب الأنفية. وعندما يعطس أو يسعل الشخص المريض، يخرج منه رذاذ محمل بملايين من الفيروسات، وبالتالي إذا صادف شخص آخر واستنشقها، أو لامسها بيديه من بعد أن تنتشر على الأسطح المحيطة، يمكن لها أن تنتقل من شخص مصاب إلى آخر سليم. ونشير بالمناسبة إلى أن هذا الفيروس يتمتع بقدرة على العيش في الطبيعة خارج جسم حي مدة تتراوح بين يوم وتسعة أيام، الشيء الذي يفسر سبب الانتشار الواسع والسريع لهذا الفيروس. بحيث في ظرف ثلاثة أشهر أصيب أكثر من 100.000 شخص حول العالم، وسجلت العدوى في أكثر من 90 دولة، ولحد الساعة قضى على أكثر من 3.500 شخص، رغم الإجراءات المشددة اللي اتخذتها منظمة الصحة الدولية بعد إعلانها عن أربع دول وبائية؛ نذكر منها الصين الشعبية، كوريا الجنوبية، إيطاليا، وإيران، إضافة إلى العبارة Diamond Princess الراكضة بميناء اليابان. وهذه سابقة في تاريخ الأوبئة العالمي. ونشير إلى أن الفيروس لا ينتقل عبر لسعات الحشرات ومدة حضانته، أي الوقت الذي يكون فيه الشخص مصابا، لكن لازالت لم تظهر عليه أعراض المرض، تتراوح بين يوم و14 يوم، وهي التي تشكل خطورة قصوى، حيث يمكن لحامل الفيروس أن ينقل العدوى لأشخاص سليمين. كيف يظهر المرض على المصاب؟ بعد إصابة المريض، وبعد فترة الحضانة التي سبق الإشارة إليها، تبدأ أعراض المرض بالظهور على المريض وهي تشبه تماما ما نعرفه عند الإصابة بالزكام أو بنزلات البرد الحادة، والتي تتلخص في الحمى المصحوبة بالرجفة، والسعال، وسيلان الأنف، وألام على مستوى الرأس والظهر والمفاصل. ويمكن في بعض الحالات أن يسبق هذه الأعراض حرقة على مستوى الحلق أو تغير في نبرة الصوت نتيجة التهاب الأحبال الصوتية. وفي حالات أخرى يمكن للمريض أن يتقيأ أو تظهر عليه أعراض الإسهال الحاد. في الغالب هذه الأعراض يمكن تحملها، لكن في حالات أخرى خصوصا لدى كبار السن الحاملين لأمراض أخرى متعددة، يمكن للمرض أن يتطور إلى تعفن رئوي حاد ينتج عنه إرهاق نفسي قد يؤدي إلى الغيبوبة التي قد تستدعي استشفاءه بمصالح الإنعاش وكذا وضع المصاب تحت أجهزة التنفس الاصطناعي. هل الإصابة بالوباء تؤدي حتما إلى الموت؟ بالطبع لا ولله الحمد. إذ لحد الآن نسبة الوفيات المسجلة لا تتجاوز 3.4% مقارنة مع الفيروسات الأخرى من نفس عائلة كورونا. MERS وSARS هما اللذان وصلت فيهما نسبة الوفيات إلى 9.6% و15%. وبالنسبة للحالات المسجلة لحد الساعة، 80% منها لا تشكل أي خطورة على حياة المرضى الذين يتعافون تماما وبدون أدوية، و15% تم تصنيفها على أنها متوسطة الخطورة، وفقط 5% هي التي كانت خطيرة والتي استدعت الاستشفاء بمصالح الإنعاش. وسجلت أغلب حالات الوفيات عند المسنين، بحيث وصلت إلى 15% عند الأشخاص الذي تتجاوز أعمارهم 80 سنة، في حين تنزل نسبة الوفاة إلى 0.2% عند المرضى دون سن 39. ولحد الآن لم تسجل أي وفاة لدى الأطفال دون سن العاشرة. ماذا يعني الحجر الصحي والعزل الصحي؟ الحجر الصحي أو la quarantaine، هو إجراء يخضع له الأشخاص الذين تعرضوا لمرض معد سواء أصيبوا به أولا. ويتطلب من هؤلاء الأشخاص البقاء فترة معينة بمنازلهم أو بالفنادق المخصصة لهذا الغرض أو بالمستشفيات. وذلك من أجل الحد من انتشار الوباء وكذلك من أجل مراقبتهم بصفة دورية ومقربة. مثال على ذلك الطلبة الذين تم جلبهم، بأمر من صاحب الجلالة نصره الله، من مدينة ووهان الصينية، الذين قضوا فترة من الحجر الصحي دامت 20 يوما حتى تأكد خلوهم تماما من آثار العدوى. أما العزل الصحي أو le confinement ou l'isolement، فهو إجراء يقتضي بفصل الأفراد الذين يحملون مرض معد عن باقي الشعب، كي لا ينقلوا العدوى للغير. وفي الغالب يكون العزل في مصلحة مختصة في علم الأوبئة ووفق شروط صحية معينة وفي غرف خاصة بتقنيات ومعايير محددة من طرف منظمة الصحة الدولية. وتتخذ الأطر الطبية الساهرة على هؤلاء المرضى جميع الاحتياطات اللازمة، بما فيها ارتداء الملابس الواقية. والجهة الوحيدة المسؤولة عن تطبيق هذين الإجراءين هي وزارة الصحة. هل يحمي لقاح الزكام الموسمي ضد كورونا؟ اللقاح الذي ينصح به الأطباء ضد الأنفلوانزا الموسمية لا يحمي من كورونا، وإنما هو صالح فقط لنوع آخر من الفيروسات التي تسمى بالميكسوفيروسات. وننبه بالمناسبة إلى أنه لحد اليوم لا يوجد أي لقاح ضد كورونا. ولقد انكبت المختبرات الدولية العالمية على تحضير لقاح ضد هذا الفيروس ومن المنتظر طرحه في الأسواق بالأشهر القادمة. سابعا: ما هي الوسائل التي يمكن للمواطن البسيط أن يتخذها لتفادي العدوى لا قدر الله؟ هناك مجموعة من التدابير البسيطة التي يمكن لأي شخص القيام بها للحد من نسبة التعرض للعدوى وانتشار الفيروس، تتجلى في: غسل اليدين بالماء والصابون عدة مرات في اليوم، وخاصة قبل الأكل. استعمال المحاليل الكحولية لفرك اليدين بعد لمس الأشخاص أو الأسطح. تفادي المصافحة ما أمكن سواء باليدين أو بالوجه، حتى داخل الأوساط العائلية أو العملية. تفادي فرك العينين مباشرة باليدين إذا لم يتم غسلها أو تعقيمها من قبل. استعمال المناديل الورقية عند السعال أو العطس، أو وضع المرفقين أمام الوجه في حالة انعدام المناديل. تعقيم الأدوات التي يستعملها الإنسان بكثافة كالهواتف النقالة، والموائد، والمكاتب والفناجين. تفادي البقاء بجانب الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض الزكام أو الحمى. تجنب زيارة المستشفيات والمصحات الخاصة لرؤية المرضى كيفما كانوا، وكذلك الأماكن المكتظة بالناس كالأسواق والمحلات التجارية والملاهي والمقاهي... ما هو المطلوب إذا صادف الإنسان شخصا تظهر عليه أعراض كورونا؟ أولا يجب تفادي الاتصال المباشر بالأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض الزكام، ويتوخى الحفاظ على مسافة الأمان التي تقدر بمتر إلى مترين. ويجب وضع الكمامات على وجه المريض، الجهة الزرقاء إلى الخارج، وهي كفيلة بحماية محيط المريض إلى حين انتقاله إلى المشفى. ولا يجب على المريض أو على مرافقيه الذهاب إلى مصالح المستعجلات مباشرة، لأنها تكون مكتظة بالناس ويزداد فيها خطر انتقال العدوى. بل يجب الاتصال بالرقم الذي خصصته الوزارة رهن إشارة المواطنين وهو 0801004747، كي يتوصلوا بكافة المعلومات وكذا التدابير والإجراءات اللازم اتخاذها، وفي حالة التثبت من احتمال الإصابة بفيروس كورونا، يتم توجيه وحدة متنقلة خاصة لنقل المصاب إلى مراكز العزل الطبي الجهوية المختصة. هل يوجد علاج فعال ضد كورونا؟ كما سبق القول، لا يوجد أي لقاح مضاد لهذا المرض لحد الآن، وكذلك لا يوجد علاج متعارف عليه إلى يومنا هذا. لكن هناك مجموعة من التجارب الأولية عبر العالم التي أثبت البعض منها نجاعته، لكن لازال المنتظم الطبي الدولي لم يتخذ فيها القرار النهائي. وكيفما أشرنا فإن 80% من الحالات لا تتطلب أي علاج ضد الفيروس وتشفى بإذن الله فقط بالأدوية العرضية. الحالات المتبقية تتطلب إضافة إلى المضادات الفيروسية مجموعة من الإجراءات المصاحبة كالتنفس الاصطناعي، وفي حالات أقصى وضع المريض تحت أجهزة التهوية الدموية الممكنة. هل المغرب قادر على مواجهة الوباء؟ المغرب كباقي دول العالم تفاجأ بهذا الوباء المستجد، وإمكانية منع دخول العدوى مستحيلة، خصوصا وأن الرحلات البرية والبحرية والجوية لازالت قائمة مع دول العالم. والتدابير التي اتخذها المغرب إلى حد الآن كلها عقلانية ومحمودة، وفي تقريرها الأخير أكدت منظمة الصحة الدولية جاهزية المغرب للتصدي للوباء وأثنت على التدابير المتخذة. ووزارة الصحة بمشاركة أجهزة الجيش والدرك الملكي ومراقبة الحدود وضعوا مخططا للتصدي للوباء العالمي، ورفعوا من مستوى اليقظة. كما أنهم خصصوا مجموعة من الوحدات الصحية التي تستجيب للمعايير المنصوص عليها دوليا من أجل استقبال الحالات المحتملة والمؤكدة. ووفرت التحاليل المخبرية بالمراكز الوبائية الرئيسية وبمختبرات المراكز الاستشفائية بالتراب الوطني، وهذا في وقت قياسي. ومن الضروري أن تكون كل هذه التحركات مصحوبة بوعي من الشعب المغربي، الذي نطلب منه أن يتكاثف من أجل مقاومة هذا الوباء، ويطبق جميع التوصيات المقدمة من الجموع الطبية ومن وزارة الصحة لأنها الجهة الرسمية المسؤولة عن ترتيبات التصدي للمرض. ويلتزم بعدم نشر الذعر والمعلومات المغلوطة بين صفوف المواطنين، خاصة وأن الوزارة تعمل على تزويد الرأي العام يوميا بالمستجدات الوبائية على المستوى الوطني والدولي.