بعد سنوات طويلة من "التسامح" مع وضع غير قانوني، قررت السلطات المغربية منع نشاط تهريب السلع عبر سبتةالمحتلة، ويرتقب أن يشمل الأمر قريباً مدينة مليلية المحتلة. حول هذا الموضوع، يوضح في هذا الحوار نبيل لخضر، المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، سياق وأهداف هذا القرار الذي لم يتقبله الحمَّالون ولا السلطات الإسبانية. ويشدد لخضر على أن منع التهريب عبر باب سبتة قرار تقني بعيد عن السياسة ووزارة الخارجية، مؤكداً أن الأمر يتعلق بنشاط غير قانوني وطبيعي أن يتم إنهاؤه. وبالإضافة إلى موضوع تهريب البضائع والسلع، يكشف مدير الجمارك المغربية أرقام تهريب السجائر وأقراص الهلوسة، إضافة إلى ما حققته الإدارة بارتفاع الإيرادات إلى سقف 100 مليار درهم، ناهيك عن ورش رقمنة الإجراءات وإعادة صياغة القانون الجمركي. جرى مؤخراً منع تهريب البضائع والسلع عبر سبتةالمحتلة، ما سياق هذا القرار؟. هذا أمر بديهي، لأن التهريب غير قانوني، ويجب أن نكون متفقين في هذا الصدد، فهو يضر بالاقتصاد الوطني. بدا لي الأمر جلياً خلال استقبالي مؤخراً عددا من المقاولين والشركات والمصنعين، إضافة إلى المستوردين الذين يستوردون السلع بالجودة اللازمة، وكلهم يؤدون الضرائب، لكنهم اشتكوا من كون البعض يستوردون السلع نفسها دون أداء ضرائب، كما أنها جودتها غير معروفة، نظراً لعدم شمولها بالمراقبة. وقد وصل الأمر بهؤلاء إلى مخاطبتنا بالقول: إذا كان التهريب سيستمر فلا داعي للتصنيع والاستثمار. وفي ما يخص باب سبتة قلنا يجب لهذا الوضع أن يقف، وهذا الأمر شمل ما يسمى التهريب المعيشي، وهو في الحقيقة غير ذلك، لأنه معيشي لفئة قليلة عبارة عن مافيات تربح أموالا طائلة وتضر بالاقتصاد وتخلق مشاكل على مستوى سلامة السلع، فما من مرة حجزنا مواد منتهية الصلاحية، يتم وضع آجال جديدة عليها وتباع في الأسواق.. أما الحمَّالون فهم ضحايا مُستَغلون. في هذا السياق، قررنا أولاً أن نقوم بما يتوجب علينا القيام به، أي إنهاء هذا التهريب، لأنه لا يمكن إصلاح مشكل التشغيل بنشاط يخرق القانون.. ثانياً إيجاد بدائل لهؤلاء الحمَّالين وأيضاً التجار الذين كانوا يقتنون هذه السلع. والدولة مُنكبة على إيجاد بدائل، لكن لا يكمن القول إن البديل يجب أن يكون متوفراً قبل إنهاء التهريب، بل يجب إنهاء ما هو غير قانوني والعمل على بديل يوفر الشغل لمن كانوا يعملون في التهريب. ويجب على هؤلاء المعنيين أن تكون لهم القابلية لقبول هذا البديل. الأمر يهم حالياً باب سبتة فقط؟ لتكون الأمور واضحة ودقيقة، باب سبتة كان يضم "تاراخال 1"، وهو ممر خاص بالمُشتغلين في سبتة، و"تاراخال 2" كان يَعرف التهريب المعيشي، إضافة إلى ممر خاص بالسيارات والدراجات النارية.. التوقيف اليوم شمل تاراخال 2. وكنتيجة لتوقف ممر تاراخال 2 انخفضت السلع المهربة، لأن من كان معتاداً على جلب 100 كيلوغرام من السلع أصبح يمر عبر تاراخال 1 الخاص بالمشتغلين في سبتة، الذين لا يحملون بضائع كثيرة بل قليلة. وقانونياً فإن معبر سبتة هو معبر خاص بالمسافرين، وليس معبراً للعمليات التجارية، مثل باب مليلية؛ لذلك نرى أن هذه المعابر يجب تكون مثل مطار خاص بالمسافرين، يتوفر على مرفق خاص بالشحن، وإذا كان المسافر يحمل بضائع ذات صبغة تجارية يجب أن يؤدي ما عليه من ضرائب. بعد هذا القرار، صدرت تصريحات عن مسؤولين إسبان يعتبرون الأمر بمثابة "خنق" لاقتصاد المدينة.. أنا أرفض هذا الأمر بالمطلق، هذا قرار تقني اتخذته إدارة الجمارك التي تقع على عاتقها مهمة محاربة التهريب. لا يمكن أن تكون لدينا هذه المهمة الجوهرية ونتغاضى عنها، هذا الأمر كان يحظى بنوع من التسامح في السابق، لكن اليوم حان الوقت لإصلاح الأمر. أقولها وأؤكدها، هذا القرار لا علاقة له بالسياسة ولا بوزارة الخارجية، إنه قرار تقني لمحاربة التهريب وتشجيع الاقتصاد الوطني، وهذا أمر معمول به في جميع الدول، وإسبانيا نفسها لديها مشكل التهريب مع أندور (دولة صغيرة تحدها فرنسا وإسبانيا)، وتحاربه بشكل مستمر، كما هو الأمر أيضاً في فرنسا. أنا أتفهم أن هذه الإجراءات ستخلق مشكلاً لبعض التجار وفئة من الساكنة في سبتة، هذا تحصيل حاصل، ولكن لا يجب الاستمرار في وضع غير قانوني. ما هي قيمة البضائع المهربة التي كانت تمر عبر سبتة ومليلية؟ سبق أن قمنا بدراسة في هذا الصدد، لكن الأمر صعب التدقيق لأن الأمر يتعلق بالتهريب، وتقديراتنا في ما يخص المدينتين تشير إلى ما قيمته 15 إلى 20 مليار درهم سنوياً، ينتج عنها تهرب ضريبي بحوالي 4 إلى 5 مليارات درهم سنوياً. هل قرار وقف التهريب سيشمل أيضاً مليلية؟ على عكس سبتة، كانت العمليات التجارية في مليلية مقبولة، حيث تمر الشاحنات عبر باب مليلية وتصل إلى ميناء بني نصار ويتم تعشيرها هناك.. وفي الحقيقة ما يقع هو تعشير عدد قليل من الحاويات، وليس كلها، وهذا الأمر قانوني بين قوسين، لأن هذا المعبر ليس مُعداً للعمليات التجارية. ومقابل التعشير يحصل المعني بالأمر على وصل خاص بالحاويات المعشرة فقط، وفي حالة خضع للمراقبة على الطريق يخبر السلطات بأن الأمر قانوني بتسليمه الوصل.. هذا الأمر أسميه تبييضاً. وإذا كنا منطقيين فمنع هذا النشاط يجب أن يشمل أيضاً مليلية. كيف يمكن إقناع الحمالين بأن التهريب له أضرار على الاقتصاد وهو مصدر عيشهم؟. يجب أن نعرف أولاً أن التهريب عبارة عن منظومة تضم التجار الكبار في سبتة، والحمَّالين والتجار القريبين لباب سبتة، والتجار في المدن الأخرى، مثل الدارالبيضاء والرباط، إضافة إلى الناقلين والموزعين.. وهذا يخلق أوضاعاً تشجع الرشوة. وحين نوقف التهريب فإننا نقطع نسبة كبيرة من الرشوة. ما يلزم في هذا الصدد هو مواكبة كل الفاعلين في هذه المنظومة، بدءًا من تجار سبتة، وأغلبهم مغاربة، إضافة إلى الحمالين والتجار الآخرين في المدن الأخرى. وموازاة مع قرار وقف التهريب بدأنا اتصالات مع المعنيين بالأمر لحثهم على التجارة والاستيراد بشكل قانوني. ونسعى من خلال هذه المواكبة إلى الانتقال من النشاط غير القانوني إلى القانوني. ويجب على المواطنين أن يفهموا أن التهريب ليس في صالح البلاد، وأبرز دليل على ذلك نتائج تحليل قمنا به يشير إلى أن منصبا واحدا في التهريب يقتل 5 مناصب شغل في القطاع المهيكل. بخصوص حجز السجائر المهربة وأقراص الهلوسة هل مازال الوضع مُقلقاً؟ نجحنا اليوم في تخفيض نسبة السجائر المهربة وغير الشرعية مقارنة بالعالم بأسره، فمنذ ست سنوات انتقلنا من 16 في المائة كنسبة من السجائر المهربة إلى 5 في المائة، وسنة 2018 وصلنا إلى رقم قياسي هو 3.73 في المائة، واليوم نحن في حدود 5.23 في المائة. وبخصوص أقراص الهلوسة لاحظنا أن هناك تزايداً في الاستيراد، وهذا أمر خطير على شبابنا. والإشكال يتجلى في إمكانية استيراد كمية مهمة في أكياس صغيرة، نحجز نسبة مهمة منها لكن من الصعب الحد منها. ما هي أهم النقاط الحدودية التي تعرف حجز أكبر كمية من هذه المواد؟. في ما يتعلق بالسجائر تأتي عبر ميناء طنجة المتوسط أو الدارالبيضاء عبر حاويات، إذ يصرح المهربون بأن هذه الحاويات تحتوي على مواد أخرى وتتم المراهنة على كيفية عمل نظام تحليل المخاطر الذي يخبر المفتش المكلف بما إذا كان يجب فتح الحاوية أو لا. وفي المغرب حالياً تُفتح 15 في المائة من الحاويات و85 في المائة لا تفتح، وهذا الأمر يفتح المجال لإمكانية التصريح بمواد ليست بالضرورة ما تحتويه الحاوية، وهذا نظام معمول في العالم بأكمله، إذ لا يمكن فتح كل الحاويات، لأن هذا الأمر يتطلب الوقت والموارد البشرية. وهناك طرق أخرى لتهريب هذه السجائر في الجنوب؛ حيث تم على مستوى المعبر الحدودي الكركرات تشديد المراقبة، إضافة إلى طريق البحر التي من خلالها يتم تفريغ الشحنات في الشواطئ ليتسلمها المهربون. وبالنسبة لأقراص الهلوسة فأغلبها يتم تهريبها في سيارات عادية، لأنها لا تحتاج مساحة كبيرة، إذ يمكن جلب مائة ألف قرص في أكياس عادية. في السنوات القليلة الأخيرة لوحظ ارتفاع في مداخيل الجمارك، إذ تم تجاوز سقف 100 مليار درهم، كيف ذلك؟. هذا يرجع إلى العمل اليومي للجمركيين والجمركيات، وبالنسبة لي، ورغم أهمية هذا الرقم، فالإيرادات الجمركية ليست المهمة، لأنها تعني في الحقيقة أن المغرب يستورد كثيراً ولا ينتج. وسأكون جد سعيد إذا انخفضت الإيرادات الجمركية بطريقة عادية، ليكون ذلك دليلاً على أن الإنتاج المغربي يرتفع والقيمة المضافة المحلية تزداد، وهو ما سينتج عنه ارتفاع في الضرائب، مثل الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة. وإذا نقص الاستيراد وانخفضت الإيرادات الجمركية فهذا معناه أن استهلاك العملة الصعبة يقل، وهذا أمر مهم بالنسبة للبلاد. ما أهم المقتضيات الجديدة الخاصة بالجمارك في قانون مالية 2020؟. الأمر الإيجابي أن المقتضيات الجديدة قليلة، وهذا يعني أن المنظومة القانونية الجمركية متكاملة ومستقرة، وهذا يمنح رؤية واضحة للمقاول والمستثمر. من بين الإجراءات التي جاءت في قانون المالية لسنة 2020 نجد بعض التعديلات الخاصة بتيسير القراءة القانونية، إضافة إلى الضريبة الداخلية على الاستهلاك على سائل السيجارة الإلكترونية، وذلك في سياق تضريب كل المواد التي تخلق وقعاً غير إيجابي على الصحة أو البيئة. كما تضمنت المقتضيات الجديدة خفض رسم الاستيراد على بعض المواد كلما كانت الصناعة المغربية محتاجة إليها، وتدخل كمادة أولية أو نصف مصنعة بهدف خفض التكلفة على المنتج النهائي، أو بالعكس نرفع رسم الاستيراد لتشجيع الصناعة المحلية، مثل الثلاجة من فئة 50 إلى 100 لتر. هل تمت رقمنة أغلب خدمات إدارة الجمارك لتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير؟. وصلنا اليوم إلى رقمنة 87 في المائة الإجراءات، أي أزلنا الطابع المادي عنها. وفي هذا الصدد أشير إلى أنه منذ بداية 2019 تمت رقمنة التصريح الجمركي المفصل، بحيث أصبح الأمر يتم عبر التوقيع الإلكتروني وإرفاق الوثائق المطلوبة، وهذا الأمر مهم ليس فقط للمقاولين والمعشرين، بل حتى للجمركي الذي أصبح يشتغل في راحة عبر الحاسوب. وفي إطار هذا الورش نعمل مع الشركاء الآخرين مثل ميناء طنجة المتوسط والشباك الوحيد للتجارة الخارجية "بورتنيت" لرقمنة كل الإجراءات المتبقية لكي تمر العملية الجمركية بسلاسة. والأساسي في هذا الصدد توفر الرؤية لكل المصدرين والمستوردين من خلال الاطلاع على سير العمليات الجمركية. ومستقبلاً سنطلق نظاماً جديداً باسم "ma douane" سيتيح الاطلاع على الوضعية الجمركية لكل معني بها وتذكيره بالالتزامات، في إطار إتاحة المعلومة للجميع. هل هناك حاجة اليوم لإعادة تحيين القانون الجمركي بشكل شامل؟. هذا ورش نعمل عليه، لأن آخر إعادة صياغة له كانت سنة 2000، أي قبل عشرين سنة، ومنذ تلك الفترة يتم تحيينه بشكل جزئي عبر قوانين المالية، لكن هناك اليوم تراكمات تستدعي إعادة النظر في بعض الفصول لمواكبة ورش الرقمنة. بالإضافة إلى الرقمنة، أصبحت الإحالات بين الفصول تصعب مأمورية قراءة المقتضيات القانونية، وقد بدأنا نتواصل مع المتعاملين مع الجمارك لتلقي المقترحات، وقريباً سننظم ورشات عمل، ثم المرور إلى مرحلة هيكلة المدونة الجديدة. كل هذا هدفه تسهيل مقروئية المقتضيات وتفادي التأويلات والتفسيرات المختلفة. وننتظر أن تتم المصادقة على النص الجديد خلال السنة المقبلة. كيف يتم تكوين الموارد البشرية في إدارة الجمارك؟. قمنا مؤخراً بافتتاح المعهد الجديد للتكوين الجمركي بمدينة بنسليمان، وهو معهد لتكوين وتدريب الجمركيين والجمركيات، لأننا نعي جيداً أن تكوين العُنصر البشري يتيح تفادي مجموعة من المشاكل. اليوم أصبح التكوين المستمر مدى الحياة أمراً مهماً، وهذا المعهد سيتيح الانفتاح على بيئتنا، ليكون الجمركي مُطلعاً ما أمكن على مختلف المهن للتعامل بشكل جيد وكما يجب مع المرتفقين لإدارة الجمارك.