عديدة هي الأسئلة التي يمكن طرحها الآن، خاصة حينما يتعلق الأمر بمراجعة تجارب لأحزاب سياسية بالصحراء ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، تلك التي استطاعت أن تدبر الشأن المحلي أو التي ساهمت في تدبيره حيث كانت نقطة انطلاق نحو اكتساح وهيمنة للحزب بكامله وباقي تنظيماته النقابية والشبابية، والسؤال الذي نود طرحه هنا لماذا سهل على هؤلاء الأفراد والعائلات أن يسيطروا على حزب سياسي بكامله وباقي تنظيماته النقابية والشبابية ويأسروه لمصالحهم الخاصة على الرغم من تاريخه الحافل ببطولات مؤسسيه ومناضليه؟ إن طرحنا لهذا السؤال، الإشكالي الذي حيرنا منذ أول تجربة سياسية كمناضلة من الصحراء أنتمي لحزب سياسي هو خشيتنا أن تنتقل هذه العدوى لباقي التنظيمات السياسية والنقابية والشبابية وعندها يصاب المجتمع بمرض سرطاني يصعب معه إيجاد دواء مناسب للعلاج، وحتى إن وجد فأكيد أن فترة العلاج وانتظار الشفاء التام ستطول وعندها سنكون قد أهدرنا سنوات وضاع مستقبل أجيال وضاعت معه فرص كثيرة لتحقيق أهداف التنمية محليا ووطنيا. يبدو جليا أن تشخيص الداء الآن في بداياته الأولى وأن وجعه وآلامه بدأت تصيب الجسم وتظهر أعراض ولو كانت في بداياتها فهي تنذر بإصابات قد تشل الحركة السياسية ككل وقد تكون أحد الأسباب الكامنة وراء مقاطعة الاستحقاقات القادمة خاصة أنها ستتزامن زمنيا في سنة واحدة وأن الاستعداد لها لا بد أن يأخذ هذا الآمر بعين الاعتبار؛ إن واقع الحال يظهر أن الممارسة السياسية بالصحراء لا تعدو أن تكون سلوكا شكليا، فولكلوريا يظهر في مناسبات معينة ثم يختفي، أبطاله يتقمصون مهمة ودور القائد الملهم يملكون حلولا لكل المشاكل المطروحة خاصة منها الاجتماعية بالنظر لقوة تأثيرها على المواطنين، ونظرا لكون منسوب الوعي السياسي لا يمكنه أن يتجاوز سقف وحدود ما هو متعارف عليه حيث غالبا ما تقف أمامه عوائق ذاتية وأخرى موضوعية من قبيل: الاعتبار القبلي، الهاجس الأمني والسياسي، النفوذ والوجاهة، وهي فرص يستغلها القائد الملهم لتحقيق نجاحات باهرة تتجاوز توقعات المتتبعين والمهتمين بالعملية السياسية ككل. وبالتالي فالقائد الملهم يتجاوز خطاب الحزب السياسي مهما كانت مرجعيته ومهما كان تاريخه وكيفما كان مناضلوه، وهمه الوحيد أن يراكم الثروة ويحافظ على كرسي السلطة ليفكر في الانتقال لتغيير سلم القيم إن استطاع لذلك سبيلا، والسؤال المطروح هو أين كان مناضلو الحزب وكيف استطاع القائد الملهم أن يتبوأ هذه المكانة وفي الصحراء بالذات؟ إن تجربتي السياسية باعتباري برلمانية سابقة ومستشارة جماعية بالعيون، أستطيع أن أقول إن تعامل قيادات الأحزاب السياسية وغيرها من قيادات المجتمع مع ساكنة الصحراء تعامل يدخل في دائرة الاستثناء وعليه فلا يمكن أن تنطبق عليهم القواعد العامة المتعارف عليها وبالنتيجة فإن ما يمكن أن يقدمه ساكنة الصحراء للأحزاب السياسية يبقى مرتبطا في أساسه بالجانب الشكلي المظهري وأن حضور هؤلاء و تمثيليتهم لا يمكن أن تتجاوز هذه الحدود بمعنى صناعة مناضل يهتم بشكله ومظهره (صاحب دراعة أنيقة أو ملحفة راقية ) وحتى إن ساهم بأفكار فتبقى دون أهمية لأن هناك حدود للنقاش تفرضها اعتبارات أمنية وسياسية ونخبوية وعليه فإن مناضلو الأحزاب السياسية من الصحراء لا يعدون أن يكونوا مجرد تحف للتزيين والتأثيث يمكن وضعها في الواجهة حتى نضمن التمثيلية لهؤلاء ونسألهم عن كأس الشاي بطقوسه المحلية و نأخذ معهم صورا للتاريخ والذكرى. وعليه يبقى الاستثناء كسلوك سياسي بالصحراء مجرد شماعة لمن أراد استغلال الانتماء للأحزاب السياسية معتبرا إياها جسرا نحو تحقيق مزيد من الثراء والترقي السريع نحو المناصب وفزاعة ترفع في وجه من أراد مقاومة ومواجهة الفساد في كل المناحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل أن من يحمل فكر الإصلاح يمثل صوتا نشازا ورأيا غير مرغوب فيه حتى مع الذين يشاركونه قيم ومبادئ المشروع الإصلاحي.