سيلاحظ القارئ أني حرصت في العنوان أعلاه على وضع كلمة "لصداقة" الشعب الصحراوي بين معقوفتين، لأن الجميع يعلم حيثما وجدت وتحركت وعبأت البوليساريو لحركية ما إلا وصاحبها فساد مالي وسياسي كبيرين، إلا وكانت أموال الشعب الجزائري تصرف بسخاء لمن يرفع صوته عاليا حتى لو كان هذا الصوت نفسه يخرس عندما يتعلق بما يحدث في الكطلان مثلا حيث وزعت محاكم برشلونة أحكاما مشددة على برلمانيين ورئيس الحكومة الكطلانية، لأنهم خرقوا القواعد الدستورية الإسبانية التي تنص على وحدة الأمة الإسبانية، لذلك عندما تجد مثل هذه المجموعات تجتمع فالأكيد أن سيولة كبيرة من اموال الشعب الجزائري و المساعدات الإنسانية التي كان مفترضا أن تتوجه للساكنة الصحراوية بالمخيمات قد نهبت وحولت لجيوب المجموعة ومحركيها من قيادة البوليساريو، هذه القيادة التي أعلنت في 13 فبراير الماضي في ستراسبورغ على الإعلان عن هذه المجموعة مدعية أنها تشكلت من أكثر من مائة برلماني أوروبي، وحاولت أن تعطيها طابعا رسميا، وكأنها جزء من أجهزة البرلمان الأوروبي، أو أن أجهزة البرلمان الأوروبي ومعه الاتحاد نفسه يعترفان بمثل هذه المجموعات وهي عملية تحايل سياسية تم القيام بها قصد تبرير المصاريف المالية الكبيرة التي صرفت على اللقاء، وقصد تعزيز الموقع السياسي لكل من أبشريا الذي حرص على الحضور في اللقاء رفقة الممثل الجديد لمكتب تنظيم البوليساريو بفرنسا محمد سيداتي الذي قزم دوره التنظيمي والسياسي داخل الجبهة علاقة بالملف بسبب فشل في مهمته التي تقلدها سابقا كممثل الجبهة بأوروبا فقد كان كل دوره هو التنديد بكل التقدم المحرز بين المغرب والاتحاد الأوروبي اقتصاديا، ثقافيا وسياسيا، حتى أن هناك من يتنذر عليه داخل المخيمات تحت مسمى "وزير النواح". بالعودة لموضوع المجموعة، وجب الإشارة إلى ما يلي: دعوة المشاركة التي حرصت البوليساريو إيصالها لكل برلماني الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم حوالي 750 برلمانيا، وإلى موظفي البرلمان والفرق الأوروبية البالغ عددهم كذلك حوالي 2000 موظف مستغلين القنوات الديبلوماسية الجزائرية ومكاتب قنصلياتها وسفاراتها بأوروبا وأموالها للتواصل مع النواب الأوروبيين، في النهاية حضر الاجتماع أقل من 20 شخصا موزعين بين برلمانيين وموظفين ممن تم التكفل بتغطية جميع مصاريفهم في المحصلة القاعة كانت فارغة، ومن تابع تغطية إعلام الجبهة ومواقعها الإلكترونية الرسمية سيلاحظ أنهم لم ينشروا صور الاجتماع والحضور حتى لا ينكشف هزالته، وضعفه العددي والسياسي، لأنه يكشف حجم عزلة التنظيم أوروبيا رغم كل ما قام به أبشريا "صحاف" البوليساريو الذي لا مهمة له سوى الخروج في الإعلام للتنديد، وسيداتي الذي قزم حضوره أوروبيا وتنظيميا بعد فشله في عرقلة الشراكة الاستراتيجية الأوروبية المغربية، بالتالي هذا الاجتماع كان الهدف الأساسي منه هو محاولة عودة الرجلين للواجهة السياسية أكثر منه تشكيل مجموعة صداقة لعلميهما أن أوروبا أصبحت تنتصر لوحدة الدول والشعوب بعد أن ذاقت العديد من بلدانها لهيب الانفصال. اللقاء ترأسه النائب البرلماني خواكيم شوستر المنتمي للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني، وهو اللقاء الذي لم يتعد حضوره 10 برلمانيين وبمجرد انطلاق اللقاء شهد انسحاب ثلاثة برلمانيين منتمين لليسار الراديكالي الأوروبي، يتعلق الأمر بالشيوعيين الإسبانيين مانو بيندا وفرناندو بارينا، والسويدية جيتي غوتلاند، الذين غادروا القاعة فور انطلاق اللقاء حيث وجدوا أنفسهم في حالة تسلل سياسي بفعل ضعف الحضور، ومقاطعة الأغلبية الساحقة البرلمانيين الأوروبيين لهذه الخدعة المسماة "المجموعة" وهو الانسحاب الذي أثر على مجريات اللقاء خاصة وأن الاشتراكيين السويد كانوا يعتبرون من دعامات تأسيس مثل هذه اللجان، كما أنه كان هناك رهان كبير على حضور وازن للإسبان لعرقلة أي حوار مغربي-اسباني يتعلق بمستقبل العلاقة بين البلدين خاصة مع استكمال المغرب مؤسساتيا لمسطرة تحديد مياهه الإقليمية أطلسيا. هذه المجموعة التي تعتبر من المجموعات التي ورثها البرلمان الأوروبي عن الحرب الباردة، ليس لها أي طابع رسمي و غير معترف بها لا سياسيا و لا تنظيميا داخل أجهزة البرلمان الأوروبي، هي أقرب منها لنوادي صغيرة لمناقشة بعض القضايا الهاشمية التي لا تأثير لها على أجهزة البرلمان الأوروبي، ولا حضور سياسي لها داخله، بل على العكس من ذلك فالبرلمان الأوروبي يعتبرها مجرد مجموعة لمناقشة بعض الملفات على هامش أجهزته و أجندته الرسمية، إذ لا تحظى بأي اعتراف رسمي، ولا يتم التعامل معها كفريق برلماني أوروبي، ولا تدخل ضمن أي مسار سياسي أوروبي، كما لا ينظر إليها باعتبارها دينامية أوروبية رسمية، بل أكثر من ذلك أصبحت اليوم تشكل إحراجا كبيرا للبرلمان الأوروبي وعبئا ثقيلا عليه خاصة مع اقتناع أروبا بكون العلاقة مع المغرب هي أكثر من سياسية، هي استراتيجية لأوروبا كلها، نظرا للحضور القوي للمغرب داخل القارة الأوروبية، ودوره الكبير في قضايا حساسة تمس الأمن الأوروبي واقتصاده. رئيس البرلمان الأوروبي وفي صفعة كبيرة وجهها للمجموعة ولتنظيم الجبهة، حدد الحجم الحقيقي لمثل هذه المجموعات، حيث اعتبر مثل هذه المجموعات المشتركة هي مجرد منتديات لنقاش غير رسمي تحدث بمبادرة من نواب أوروبيين، وهو الموقف الذي شكل صدمة للمجموعة و لأعضائها، و جعلها ممنوعة من استعمال شعار البرلمان الأوروبي، ولا تحظى بأي تعاط رسمي أو شبه رسمي من طرف البرلمان الأوروبي قد يعطيها نوع من الامتياز أوروبيا، بل على العكس موقف رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي كان واضحا من حيث تقزيم الوضعية السياسية لهذه المجموعة، والقطع مع أي دور سياسي محتمل لها رغم محدودية تأثير هذه المجموعة ، يكفي العودة لصور الاجتماع التي نشرتها الجبهة نفسها ليلاحظ المتابع أن الاجتماع لا توجد فيه أية إشارة للاتحاد الأوروبي أو البرلمان الأوروبي. نحن أمام فزاعة إعلامية، وبالون منفوخ بغازات أزكمت روائحها أنف أوروبا التي لم تعد ترغب في المقامرة بعلاقتها مع المغرب نظرا لقوة هذا الأخير، وتعاطيه المسؤول مع قضاياه الحيوية التي لم يعد يسمح بأي استغلال لها قصد ابتزازه أو الضغط عليه، لذلك أوروبا اختارت الوضوح والشجاعة في علاقتها بالمغرب.