للوهلة الأولى، يساورك الاستغراب، حين تقع عيناك على لافتة مكتوب عليها "شجرة السيدة مريم العذراء، من هنا مرت العائلة المقدسة"، داخل مجمع ديني إسلامي، يضم أضرحة آلاف من صحابة نبي الإسلام محمد بمدينة البهنسا بمحافظة المنيا الواقعة جنوبي مصر. فداخل ساحة مسجد "سيدي على الجمام" في مدينة البهنسا بمركز بني مزار بالمنيا، يتقاذف الهواء أغصان الشجرة، التي يؤكد خدام المقام أنها تعود إلى زمن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، حيث استظلت السيدة مريم العذراء بظلها هي والطفل يسوع. الزوار يزور الموقع الديني، الذي يحمل اسم علي الجمام، المعروف بقاضي قضاة البهنسا، ويضم ضريحه، قرابة 10 آلاف شخص كل يوم جمعة، حسب ما أوضح ل(إفي) سيد حماد، مدير ساحة المسجد. ويقصد الشجرة الكائنة داخل ساحة المركز مسيحيون ومسلمون، على حد سواء، من داخل أو خارج مصر. رمزية الشجرة لا تمثل الشجرة المحاطة بسور صغير، والتي تبعد أمتارا قليلة عن أضرحة آل البيت بالبهنسا، فقط موقعا أثريا؛ بل تمثل رمزا للتآخي والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر. أضرحة آل البيت تضم المنطقة قبورا وأضرحة للمئات من صحابة النبي محمد، الذين توفوا على أرض مصر أثناء فتح البهنسا؛ بينهم صحابيون شاركوا في معركة بدر الكبرى، غير أن الظاهر حاليا في المنطقة الأثرية فقط نحو 200 قبر يعود إلى الفاتحين المسلمين، وفقا لما أكده مدير ساحة مسجد "سيدي علي الجمام". وتوصف منطقة البهنسا بأنها "بقيع مصر" أو "البقيع الثاني" نسبة إلى منطقة البقيع بالسعودية، نظرا لما تحويه من مقابر لصحابة كبار مثل جعفر وعلي أبناء عقيل ابن أبي طالب ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وأوضح سلامة زهران، مدير منطقة آثار البهنسا، أن البهنسا عرفت أيضا ب"مدينة الشهداء"، إذ استعصت في بداية الأمر على جيش المسلمين أثناء فتح مصر، ولم تفتح إلا بعد مقتل العديد من الصحابة والتابعين في سنة 22 هجرية. وفي الفترة الرومانية، قبل الفتح الإسلامي، عرفت البهنسا كمدينة قديمة اسمها "بيمازيت". وقال زهران إن البهنسا تقدم سياحة داخلية في متناول البسطاء والمعدمين إلى جانب ترفيه لا ضرر فيه للأطفال والعائلات، خاصة أن رواد المزارات لا يتكلفون سوى ثمن أجرة المواصلات، في حين يتم فتح جميع المزارات مجانا للمواطنين. ومن أشهر المزارات والمعالم التاريخية بقرية البهنسا 17 قبة ضريحية للصحابة والتابعين الصالحين؛ كقبة السبع بنات، ومقام سيدي جعفر وعلي أولاد عقيل بن علي بن أبي طالب، وقبة التكرورى، ومقام سيدي الأمير زياد بن الحرث بن أبي سفيان بن عبد المطلب، ومقام أبان بن عثمان بن عفان، وقبة محمد بن أبي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأيضا مسجد الحسن الصالح بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وفي تصريحات ل(إفي)، قالت خلود محمود، وهي طالبة جامعية، إنها اعتادت منذ الصغر على زيارة المركز الديني لما يمثله من قيمة روحية. وبسؤالها عما تقصد حين تزور مسجد "سيدي علي الجمام" أضرحة آل البيت أم شجرة مريم، قالت خلود وهي شابة ترتدي نقابا: "أذهب إلى الشجرة قبل أضرحة آل البيت، لأن الاثنين يخصاني". معتقدات شعبية تسود معتقدات شعبية بين أهالي القرى القريبة من البهنسا؛ منها أن بركة شجرة مريم تساعد في حل أزمة تأخر الإنجاب لدى السيدات. ويعتقد بعض أهالي البهنسا أن النوم في الأرض المحيطة بالأضرحة، تساعد في شفاء المرض وزوال الهم. رعاية حكومية تعتزم الحكومة المصرية تطوير المنطقة بشكل كبير، من خلال اعتماد مشروع سوف يتم تنفيذه على ثلاث مراحل بهدف تطوير الأعمال الفنية المتعلقة بالمباني الأثرية وترميمها وإعادة تأهيل القرية كمزار سياحي من خلال إنشاء وتطوير مداخل ومخارج للقرية لإضفاء الطابع التاريخي والأثري الذي تتميز به القرية عليها. وأكد جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أنه سيلي ذلك رصف الطرق الداخلية للقرية وتطويرها من حيث الإنارة والتشجير تيسيرا على الرحلات السياحية وعلى المواطنين المترددين على القرية. *إفي