الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    المعدن الأصفر يلمع أكثر من أي وقت مضى .. الذهب يلهب الأسعار في المغرب    مقتل شخصين وإصابة 5 في حادث إطلاق النار بجامعة فلوريدا الأميركية    منظمة بوليساريو الإرهابية ، الوجه الآخر للأجندة الجزائرية    فوربس: المغرب يضع لبنات مونديال 2030 بإشراف ملكي وتخطيط شامل    وهبي يعلن عن لائحة المنتخب المغربي المشاركة في كأس إفريقيا للشباب بمصر    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    مغرب الحضارة : نداء من أجل المستقبل … شبابنا كنز المملكة ومستقبلها    لجنة الأعمال السينمائية تعلن عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    احتجاجات بالمزونة التونسية تنديدا بمصرع 3 تلاميذ وبتهميش المدينة    منظمات تدق ناقوس الخطر وتدعو لتحقيق دولي في جرائم إعدام بمخيمات تندوف واتهامات مباشرة للجيش الجزائري    وضع المعايير لملء استمارة الإحصاء لأداء الخدمة العسكرية برسم فوج المجندين لسنة 2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مُذكِّرات    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    إيقاف السباح التونسي أحمد الحفناوي 21 شهرا بسبب انتهاكات لقواعد المنشطات    بطولة ألمانيا.. دورتموند المحبط يسعى الى بطاقة دوري الابطال    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    ممثلون عن اليهود في بريطانيا يدينون العدوان الإسرائيلي في غزة    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    وفاة الفنان المصري سليمان عيد عن عمر 64 عامًا    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    دي ميستورا يستشعر نهاية "المينورسو" .. ضغوط مالية وتغيرات دولية    الرئيس الصيني يختتم في كمبوديا جولته الدبلوماسية في جنوب شرق آسيا    ولاية أمن أكادير: هذه حقيقة ادعاءات إحدى منظمات المجتمع المدني حول مزاعم بسوء المعاملة    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    بعد ستة أشهر من الغياب.. الصحفي حمزة رويجع يكشف الحقيقة بشجاعة: نعم، أصبت باضطراب ثنائي القطب    حكم يدين "العراقية" بملف إجهاض    من بينها طنجة.. وزارة الداخلية تتابع تقدم الأشغال المتعلقة بملاعب كأس الأمم الإفريقية 2025 في المدن المستضيفة    عاجل | هزة أرضية قوية تُثير الهلع بمراكش وتامنصورت    الاعتداء على أستاذ يسلب حرية تلميذ    تطوان.. توقيف شرطي وشقيقين ضمن شبكة لترويج الأقراص المهلوسة وحجز 3600 قرص مخدر    ندوة وطنية تتدارس تجربة محمد الشيخي في رؤيا وتشكيل الشعر المغربي    قيادي في حماس: لا نقبل الصفقات الجزئية وسلاح المقاومة حق وموجود طالما بقي الاحتلال    تدشين الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس    ارتفاع معدل التضخم بالمغرب.. والمواد الغذائية على رأس الأسباب    وزير الخارجية الإسباني يشيد بمتانة العلاقات مع المغرب ويصفها بالأفضل في التاريخ    تمغرابيت... كتاب جماعي لمغاربة العالم    توتر داخل دورة غرفة الفلاحة بالشمال.. وأعضاء ينسحبون ثم يعودون لاستكمال الدورة    الأمير مولاي رشيد يترأس بالرباط افتتاح الدورة ال 30 للمعرض الدولي للكتاب    "إعلان الدوحة" يُتوج مؤتمر "إيكاو" بشأن تسهيل النقل الجوي الدولي    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    الأبيض ‬والأسود ‬من ‬تقرير ‬دي ‬ميستورا (2)    تراجع جديد في أسعار المحروقات بمحطات الوقود    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    سعد لمجرد لن يشارك في الدورة 20 من موازين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    محمد السادس للرئيس السوري أحمد الشرع: أنتم تديرون هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدكم الشقيق    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كأنه هو..
نشر في هسبريس يوم 07 - 02 - 2020

في أولى لقاءاتي بك، بعد أن هجرتني، كنتَ باسم الثغر، ضحوكاً كما عهدتُك، ولن أنسى ما حييت باقة الورد التي أهديتني. صدِّقني إن قلت لك إنني عاجزة عن وصف مدى سعادتي بلقياك ليلتها، وكم أفرحني اهتمامك وفيض حنانك رغم كثرة الحاضرين حولنا. لكنني لمتك عن ضيق الوقت الذي خصصته لي.
رحلتَ مسرعاً دون أن تتيح لي فرصة البوح ولو بالقليل من الأحاديث المخبأة بداخلي. أُدرك أنك تقصَّدت ذلك. فأنت تعرف أن دموعي سخية، و أنها كانت ستسبق لا محالة ما قد ينطق به لساني.. ليتك تعرف كم كان مؤلما وجع كتمان ما بداخلي.. ألمٌ فظيع بقدر وجع فراقك. ذهبتَ مسرعا ليطول غيابك.. آآه وكم طال!
فجأةً، قررتَ أن يتجدِّد اللقاء بعيدا عن الأنظار. أذعنتُ لرغبتك، فشوقي لك كان أكبر مما تتصور، وعودتك أنستني كل ما كان بي من لوم لك أو عتاب. استقبلتني بعبوس وجهك كما عرفتُك في نوبات غضبك. غضب سرعان ما يفتر غليانه بسبب طيبة قلبك التي طالما حاولتَ أن تخفيها بتصنعك القسوة.. وحين سألتك عن السبب، أجبتني بنبرة حادة أنني لم أنجز ما طلبتَ مني كما ترغبُ أنت.. قلتَ ذلك وتواريت عن ناظري دون أن أعرف طلبكَ أصلاً..
انتظرت عودتك مجدداً، لعلي أفهم سبب تلك الغضبة. طال انتظاري لك حتى حسبتك لم تعد ترغب بوصالي، لكني لم أفقد الأمل وانتظرت عودتك كل ليلة.
انتهى بكَ الأمر واقفاً أمامي، بعد أن رقَّ لي قلبُك وغلبك الحنين. لكنك ظللتَ ساكتا. اكتفيتَ بالنظر إلي ملياًّ دون أن تروي عطشي بإجابة واحدة عن الأسئلة المستعرة بداخلي. ذهبتَ يومها و لم تعد بعدها لملاقاتي، وتمنيتُ كل ليلة أن أتوغل بنوم عميق لعل الأحلام تجود علي بلقياك مجدداً..
حينها لم أجد بدًّا من مصارحة المحيطين بي بترددك عليَّ، وأنا التي كنت أفضل الاحتفاظ بأمر زياراتك الليلية سرا بيننا نحن الاثنين.. جاءني التفسير من العارفين بالأمر أن روحك لم ترقد بعدُ بسلام، ما دامت كل أغراضك على حالها منذ غيابك، بينما يقتضي العرف أن نهبها لمن يحتاجها. والواقع أن لا أحد من بيننا تجرأ أن يفكر بالأمر، فمصابنا فيك كان جللاً لدرجة أننا لم نكن نقبل بأمر رحيلك، و إن كان أمرا منتظرا، بل محتوما بعد أن حل بك ما حل في غير وقته.
أردت، أنا وكل أحبائك، الاحتفاظ ولو باليسير منك، لكنني أدركت لاحقا أنني كنت مخطئة ما دامت روحك تستوطن كل أرواحنا.
وقع الاختيار علي أنا كي أواجه ذكراك. اختاروني أنا الجسورة، أنا المقدامة، أنا التي يقال عني امرأة بعشرة رجال. لكنني ما إن فتحت خزانة ملابسك، حتى انفض من حولي رجالي العشرة، وتركوني وحيدة لمواجهتك يا أبي ..
انهرت باكية أمام قمصانك و ربطات عنقك و ألبوم صورك.. لكن أكثر ما هزمني كانت كتبك وشهادة تخرجك.. بكيتك بحرقة و كتمت صوت وجعي بصدري، كي لا أؤجج نار أمي التي كانت تبكيك بحرقة أكبر بالغرفة المجاورة، و تتظاهر بتوضيبها بينما أنا أنجز المهمة التي أوكلت لي.
الغُصة الخانقة بحلقي والضيق الجاثم على صدري جعلاني أسرع بالأمر، ثم أوصل الأمانة لعمي ادريس، ذاك الرجل الطيب الذي أرى فيه شبها كبيرا منك قلبا وقالبا.
قادتني بعدها سيارتي للمقبرة. ولجتها دون أن ألقي التحية على أصحاب المكان، ودون أن أتلو بعضا من آيات الرحمان على روحك وعلى أرواح كل مجاوريك بمقامك الأبدي.
ارتميت بحضن قبرك لأبكيك بملء روحي. عاتبتك على الرحيل المبكر وأنا في أوج الحاجة إليك. لمَ لمْ تكن شجاعا وصلبا أمام المرض؟ لم رحلتَ وأنا ما زلتُ بأول المشوار؟ لم كسرت ظهري بعد أن كنت لي الدعم والسند؟
وبينما أنا أنتحب، رنَّ هاتفي ليعيدني لرشدي. فتسمرت عيناي على شاشته بعد أن كانتا تتطلعان لما يحيط بي دون أن تريا شيئا. هلَّت عليَّ صورة صبي حديث الولادة. كانت الصورة لأول فرحةٍ لأخي القريب البعيد. القريب بطبعه الحنون، والبعيد بعد أن اختار العيش بالضفة الأخرى من المتوسط. حين رأيت الصورة، انتابني شعور بأن روحي عادت إلي بعدما كنتُ أحسها خاوية بعد غيابك.
أريد أن أخبرك يا أبي، أنه طفل جميل بقدر جمال شكل وطباع والديه. ملامحه، بها جمال الصباحات الندية بكل الغابات التي تعودتَ أن تجوبها طيلة سنين عملك. والأجمل أن أخي أسماه باسمك..
بشرى قدوم ذاك الصبي جعلتني أضحك وأبكي في الوقت نفسه. الأولى لفرح أخي، والثانية لغيابك أنت. فهذا الصبي هو أول بشارة فرح بعد رحيلك.. هو أول حفيد لن تلاعبه كما فعلتَ مع أبنائنا نحن. صرتُ أنظر للصورة وأقبله على الهاتف، ثم أصفه لك وكأنك ماثل أمامي.
لا أدري وقتها لمَ هبت ريح خفيفة بالمكان. ريح ذات ملمس رهيف على وجنتي، ثم بدأ بعدها رذاذ ناعم يهمي على المقبرة. أحسست ساعتها وكأن روحك تُحيط بي، بل تغمر المكان كله. صرت ألتفت يمنة و يسرة، باحثة عنك.. حاولت أن أناديك لكنني أحسست بثقل لساني وفرار صوتي مني. فبدأت أتحسس قبرك وأمسح الغبار عن شاهده، لأعلمك أنني أعي أنك هنا معي..
إحساسي بقربك، جعل أصواتاً كثيرة تتعالى برأسي.. كيف لي أن أرفض أمر رحيلك؟ لماذا أحتمي بالحزن وأنا لست لا امرأة ضعيفة ولا سلبية؟ كيف لم ألتقط مضمون البشارة التي هلَّت علي قبل قليل؟ بشارة روح جديدة اختارت المجيء إلينا لتكون امتدادا لك.
فهمت، وقتها بجلاء، ما كنتَ تلمحُ إليه في المنام عكس ما ذهب إليه تخمين سادة التفسير. أنت حزين لحزني عليك، وترفض أن يتملك الحزن عقلي بعد أن أحكم قبضته على قلبي. فهمتُ أنكَ ترغب أن أطوي الجناح على جرح فراقك وأن أُقبل على الحياة بروح متفائلة كما عهدتني.
ارتسمت على شفتي ابتسامة ارتياح لِما وصلتُ إليه. مسحت دموعي، استجمعت أشلائي، قبَّلت شاهد قبِرك، دعوت لك، وطلبت منك أن لا تبخل علي بزياراتك الليلية مستقبلا، ثم عدت أدراجي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.