في البدء : أرسى القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الصادر في 03 أكتوبر 2002 منظومةً للتغطية الصحية تشمل كل من نظام المساعدة الطبية الذي يقوم على مبدأ التضامن الوطني لفائدة السكان المعوزين والتأمين الإجباري الأساسي عن المرض المرتكز على مبدأي المساهمة والتعاضد في تَحَمُّل المخاطر، وقضى بتمديد هذا التأمين الأخير الى الأبوين شريطة تحمل المنخرط لواجب الاشتراك المتعلق بهما يحدد بمرسوم تم التقاعس عن إصداره ليفضي "عقل هذا التقاعس" الى اعتماد مشروع قانون رقم 63.16 بتغيير وتتميم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية . وهنا يطرح تساؤل محوري حارق يتجسد في علة تراجع الحكومة عن إصدار المرسوم الموعود ومصادقتها على المشروع السالف المذكور المتضمن لمقتضيات تعد من الأسباب الرئيسية التي ظل معها المشروع رهينة لدى لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين منذ سنة 2016 مما يجرنا للحديث عن المقتضيات الجاري بها العمل حاليا ثم عن تلك المقترحة لنخلص الى موقف في هذه النازلة. القانون رقم 65.00 وفق المادة 2 من هذا القانون يسري التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على عدة فئات من قبيل أصحاب المعاشات والعمال المستقلين وموظفي وأعوان الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الذين بمجرد توظيفهم بأسلاك الإدارة (الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية) يتم انخراطهم بقوة القانون في التأمين المذكور. وتطبيقا للمادة الخامسة من القانون رقم 65.00 يخضع أيضا لهذا التأمين من يَنْدَرِجُون في حُكْم أفراد عائلة المنخرط وهم زوج أو زوجة أو زوجات المؤمن والأولاد المتكفل بهم إلى غاية 21 سنة، أو 26سنة في حالة متابعة دراسات عليا، وكذا الأطفال المتكفل بهم طبقا للتشريع الجاري به العمل. ويستنتج من هذه المقتضيات ما يلي : أن المنخرط (في غالبية الأحيان الزوج) هو المسؤول عن من يُعتبرون في حكم عائلته ؛ أن المسؤول المنخرط يتكفل بأفراد يُكَوِّنُون ما يسمى في علم الاجتماع بالأسرة النووية التي تتكون من الزوج والزوجة والأولاد (في مفهوم القانون رقم 65.00 تمت إضافة الأطفال المتكفل بهم لأنه يمنع قانونا التبني)؛ علما بأن الزواج بين الرجل والمرأة يُبْنَى على أساس ميثاق شرعي (بموجب المادة 4 من مدونة الاسرة) غايته إنشاء أسرة مستقرة لا تعدو أن تكون هي الأسرة النووية، أن التعاضد يكون فقط بين المنخرطين سواء تعلق الأمر بأعزب أم بمتزوج ذي أولاد أم عقيم، مصاب بمرض مزمن أو أكثر أو زاده الله بسطة في الجسم. وبناء على هذه التعليلات نص المشرع في المادة الخامسة المذكورة على أنه يمكن (لاحظ أن الأمر يتعلق بالإمكان وليس الإلزام) للمؤمن أن يطلب تمديد الاستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الذي ينتمي إليه لفائدة أبويه شريطة تحمله لواجب الاشتراك المتعلق بهما يحدد بمرسوم. مشروع القانون رقم 63.16 غني عن البيان، أن المُشَرِّع كان حكيما لما نص على إمكانية تمديد التأمين إلى الأبوين دون إلزامية، حيث هَدَفَ إلى الحفاظ على التعاضد بين المنخرطين وأسرهم النووية التي تعتبر هي أس المجتمع المغربي مع ترسيخ التضامن بين المنخرط وأفراد أسرته الممتدة. غير أنه بدلا من إصدار ونشر المرسوم الذي يحدد إجراءات وشروط ومبلغ المساهمة لتمديد التأمين إلى الأبوين صادق مجلس حكومي بتاريخ 21 يوليوز 2016 على مشروع قانون رقم 63.16 بتغيير وتتميم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية ليشمل التأمين الإجباري الأساسي عن المرض كذلك أم وأب الشخص الخاضع لهذا التأمين ، شريطة أن لا يكون الأبوين خاضعين أو مستفيدين من أي نظام من أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض مع التأكيد على أنه في حالة وجود ولدين أو أكثر خاضعين لنظام التأمين الإجباري يستفيد الأم والأب من التأمين المخول لواحد فقط من الأولاد المؤمنين. وبناء عليه، يعتبر الأبوين في حُكْمِ ذوي حقوق المؤمن أو أفراد عائلته، حسب الحالة، مع التنصيص على أن التكاليف المترتبة عن التغطية الخاصة بالأبوين تتم تغطيتها من خلال مراجعة نسبة الاشتراك. ويستشف من مقتضيات مشروع القانون رقم 63.16 ما يلي : استبعاد الأم و الأب، الخاضع أو المستفيد من نظام للتأمين الإجباري الأساسي أو التغطية الصحية أو تغطية صحية أساسية يتم تمويلها كليا أو جزئيا من طرف الدولة أو أي شخص اعتباري من أشخاص القانون العام، من تمديد التأمين الإجباري لأحد أولاده إليه؛التنصيص على أن الأم أو الأب لولدين أو أكثر لا يستفيد إلا من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لواحد من الأولاد فقط. ولئن تم استبعاد الأب أو الأم الخاضع لنظامٍ للتأمين من أن يشمله التأمين المنخرط فيه أولاده، مع التأكيد على استفادة الأم أو الأب الذي له أكثر من ولدين، من نظام للتأمين يخضع له ولد واحد... فإنه لم يتم التنصيص على إعفاء الأولاد من مراجعة نسبة الاشتراك في الحالة الأولى، وعلى أن خضوع الأبوين لنظام أحد أولاده يُعْفِى بقية الأولاد من المساهمة باعتبار أن الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة الواردة في مشروع القانون رقم 63.16 تنص، بدون مواربة، على أنه "تغطى التكاليف المترتبة عن التغطية الخاصة بالأبوين من خلال مراجعة نسبة الاشتراك" مما يفيد بأن هذه الصيغة العامة تحيل على أن مراجعة نسبة الاشتراك سَتَهُمُّ جميع المنخرطين بدون استثناء. أوجه دفاع ودفوعات أصحاب المشروع للترافع عن هذه المقتضيات تم إعمال "سخط الوالدين" و"التضامن"، في حين أن الدفع بالخوف من "سخط الوالدين" لا يرتكز على أساس اجتماعي أو عقدي لأن الشريحة الكبرى من المغاربة تولي اهتماما كبيرا بالوالدين وبصحتهم باستثناء حالات تتعلق بتعاطي المخدرات أو حالات نادرة والنادر لا حكم له مما يجعل هذا الدفع بمثابة تجديف في الخواء والهواء. أما حجة التضامن، فالأمر لا يتعلق أصلا بالتضامن الذي يرتكز عليه نظام المساعدة الطبية لفائدة السكان المعوزين، وإنما بالتعاضد الذي يعتمده نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض مما يستدعي رفض هذه الدفوعات والقول بأن التعاضد يكون بحكم القانون بين المنخرطين فقط، مع إمكانية اقتراح تمديد التأمين إلى الأبوين و تحمل ولد واحد لاشتراكهما باعتباره الفاعل الأساسي والأصلي في التعاضد أما غيره من الأصول فهو تابع يدور مع الأصل وجودا وعدما. إن هذا المنخرط، موظفا مأجورا متقاعدا، ينتمي أساسا إلى إحدى شرائح الطبقة المتوسطة من المجتمع المغربي- دون الخوض في مفهوم الطبقة المتوسطة وشروط الانتماء إليها - أَضْحَت أُجرته "ملاذا كريما" بدون حراسة كلما حَزَبَ جهة معينة خَطْبٌ مالي "قَضَمَت" من أجرته البئيسة بحكم ارتفاع الأسعار، ما لذّ منها وطاب، مرة بعلة حماية التوازن المالي لأنظمة التقاعد ...ومرة ...ومرة... والآن بالتلويح "بسخط الأبوين" في حالة عدم إعمال اقتطاع جديد لفائدة نظام التغطية المعني !!! في الختم : حيث أن التعاضد ينحصر قانونا بين المنخرطين ليس إلا، فإن أي تمديد للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض إلى أفراد الأسرة الممتدة نظير الأبوين أو غيرهما - تكريسا لمبدأ الحق في الصحة - يجب أن يكون اختياريا مقابل مساهمة معينة، أما إلزام جميع المنخرطين بالرفع من مساهمتهم بدون مقابل أو مبرر فلا يعدو أن يكون حق أريد به اقتطاع باطل أفضى إلى صراخ أحدهم كفى..يكفي..يكفو.. أخطأ في "يكفو" من كثرة وهول الاقتطاعات !!!!