في تحليل للأنظمة الرأسمالية عبر العالم أبدى برانكو ميلانوفيتش، الخبير الاقتصادي، تخوفه من ظهور البلوتقراطية أو "الرأسمالية المتوحشة" كتوجه عالمي جديد. ويقول ميلانوفيتش ضمن تحليله الذي نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة: "كلما اندمجت القوة الاقتصادية والسياسية مع بعضهما في الأنظمة الرأسمالية الليبرالية تتحول الرأسمالية الليبرالية إلى بلوتوقراطية (التي تعبر عن أحد أشكال الحكم التي تتميز فيها الطبقة الحاكمة بالثراء)، مع اكتسابها بعض ملامح الرأسمالية السياسية، خاصةً ما يتعلق بإعادة إنتاج نفس النخبة إلى أجل غير مسمى في المستقبل". ويؤكد الكاتب أن "التجربة تُظهر أن الكثير من الناس مستعدون لمقايضة الحقوق الديمقراطية مقابل الحصول على دخل أكبر، ففي عالم اليوم المليء بالنشاط التجاري المحموم نادرًا ما يتمتع المواطنون بالوقت أو المعرفة أو الرغبة في المشاركة في القضايا المدنية العامة ما لم تكن تهمهم مباشرة". وفي جوابه عن تساؤل ماذا يحمل المستقبل للمجتمعات الرأسمالية الغربية؟ يوضح "ميلانوفيتش" أن الإجابة تتوقف على ما إذا كانت "رأسمالية الجدارة الليبرالية" ستتمكن من تطوير نفسها نحو مرحلة أكثر تقدمًا تجاه ما يمكن تسميته "رأسمالية الناس"، إذ يتم توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة، الأمر الذي يتطلب توسيع نطاق ملكية رأس المال في المجتمع، بما يتجاوز القيمة الحالية التي تبلغ 10 بالمائة في يد الأثرياء. ويشير التحليل إلى أنه لتحقيق قدر أكبر من المساواة يجب على الدول تطوير حوافز ضريبية لدعم الطبقة الوسطى، وفرض ضرائب أعلى على الأثرياء، وتطوير التعليم العام المجاني، "ومع الوقت سيسفر التأثير التراكمي لهذه التدابير عن زيادة ملكية رأس المال في المجتمع، ودعم المهارات، بهدف تحقيق قدر أكبر من المساواة في ملكية الأصول، سواء المالية أو المهارية". ويؤكد الكاتب أن الأمر لن يتطلب سوى وضع بعض السياسات المتواضعة لإعادة توزيع الموارد، مشيرا إلى أن الغرب إذا فشل في معالجة مشكلة عدم المساواة المتنامية فإن "رأسمالية الجدارة الليبرالية" تخاطر بالسير باتجاه "الرأسمالية السياسية". ويوضح ميلانوفيتش أنه "رغم كل التغيرات المتسارعة فإن الرأسمالية مازالت النظام المهيمن عالميًّا مع استثناءات طفيفة، فهي الوسيلة الوحيدة المستمرة للإنتاج"، وزاد: "في حين يشير البعض إلى أنها تواجه تهديدًا متجددًا من الاشتراكية، فإن الحقيقة أن الرأسمالية موجودة لتبقى وليس لها منافس. أما المعركة الحقيقية فهي تدور داخل الرأسمالية نفسها، إذ أصبح هناك نموذجان يتصارعان ضد بعضهما بعضًا". ويبرز الخبير الاقتصادي أنه في دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وعدد من الدول الأخرى (مثل: الهند وإندونيسيا، واليابان)، يهيمن شكل من أشكال الرأسمالية على النظام الاقتصادي للدولة، وهو "رأسمالية الجدارة الليبرالية". ويشرح الخبير هذا النوع بكونه نظاما يركز على نمو القطاع الخاص، ويحاول أن يضمن تكافؤ الفرص للجميع. وإلى جانب هذا النظام، نجد نموذج "الرأسمالية السياسية" الذي تمثّله الصين ودول أخرى (مثل: ميانمار، وسنغافورة، وفيتنام، وأذربيجان، وروسيا، والجزائر، وإثيوبيا، ورواندا)، وهذا النموذج يتميز بنمو اقتصادي مرتفع، لكنه يقيد الحقوق السياسية والمدنية الفردية. هذان النموذجان من الرأسمالية اللذان تمثلهما الولاياتالمتحدةوالصين يتنافسان دائمًا مع بعضهما، وهذه المنافسة هي التي ستشكل مستقبل الاقتصاد العالمي. ويقول ميلانوفيتش إن نموذج الرأسمالية الصيني "الرأسمالية السياسية" يتعارض مع النموذج الغربي للرأسمالية "رأسمالية الجدارة الليبرالية"، وذلك في وقت يشهد العالم اتساع نطاق الدور الصيني على مختلف الأصعدة، لذلك من المرجح أن تحل "الرأسمالية السياسية" محل "رأسمالية الجدارة الليبرالية" في العديد من البلدان حول العالم. وقد أوضح "ميلانوفيتش" أن ميزة الرأسمالية الليبرالية تكمن في نظامها السياسي القائم على الديمقراطية، إذ توفر الديمقراطية أدوات تصحيحية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تضر بالصالح العام.