مسلسل طويل من النقاش والسجال بين الحكومة والبرلمان حول مشروع القانون الجنائي عمّر سنوات طويلة، وامتد ولايتين حكوميتين احتدم فيهما الجدل حول تعديل قانون يؤطر الحياة اليومية للمغاربة منذ ستينيات القرن الماضي. إذ بعد مرور موجة الاحتجاجات والاستفتاء على الدستور الجديد للمملكة، وبزوغ فجر "الإخوان" في حزب العدالة والتنمية لقيادة الحكومة سنة 2012 بعد انتخابات برلمانية أفرزت تشكيلة حكومية بقيادة عبد الإله بنكيران، أسندت حقيبة العدل والحريات إلى المصطفى الرميد أحد صقور الحزب ذي التوجهات الإسلامية. وقد كان الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة واحدا من الأوراش الملكية، التي كلف الرميد بتنزيلها على أرض الواقع، حيث قاد سلسلة من المشاورات مع الجسم القضائي ومختلف المتدخلين في قطاع العدل. لقاءات تميزت بحركة احتجاجية خاضها قضاة المملكة، وتوجت بعزل بعض المحتجين بدعوى تعبيرهم عن رأي سياسي وخروجهم عن واجب التحفظ والحياد. وبالعودة إلى تعديل القانون الجنائي، أعد وزير العدل والحريات في النسخة الأولى لحكومة بنكيران مسودة قدمها أمام الحكومة، استغرقت وقتا طويلا لتدقيقها وتمريرها من الأمانة العامة إلى الحكومة حتى اقتربت الانتخابات التشريعية لسنة 2016، فوجد الرميد نفسه مضطرا إلى تقديم ما أمكن تعديله من هذا القانون الذي تضمنت تعديلاته 82 مادة، ضمنها مادة حول الإثراء غير المشروع. وخلال سعي جريدة هسبريس لتجميع معطيات تدخل ضمن كواليس الأغلبية، أسر مصدر عليم من داخل الحكومة أن "الرميد لما كان وزير العدل والحريات قدم أمام لجنة العدل والتشريع 13 مادة اقترحتها حكومة بنكيران لتعديلها قبل الاستحقاقات الانتخابية". وأصر وزير العدل الأسبق، وفق المصدر ذاته، على "إدراج مادة تجرم الإثراء غير المشروع كورقة ضغط سياسية لإحراج المكونات الأخرى للأغلبية بحجة محاربة الفساد، وبالتالي تقسيم المشهد السياسي بين تيار يناهض الفساد وآخر يحميه". هذه المحاولة للضغط على البرلمان لتمرير هذه التعديلات المقترحة قبل الانتخابات ووجهت بالرفض، يتابع مصدر هسبريس، لذا لم يحسم فيها داخل اللجنة. وقد تمت مناقشة تعديل القانون الجنائي خلال تولي محمد أوجار وزارة العدل، إلا أن التعديل الحكومي سرعان ما أعاد النقاش إلى نقطة البداية. ورغم تقلده منصب وزير الدولة وحقوق الإنسان وبعدها العلاقات مع البرلمان في النسخة الثانية من حكومة سعد الدين العثماني، لا يفوت الرميد، حسب المصدر ذاته، الفرصة كلما حل ضيفا في أي لقاء دون الحديث عن مشروع القانون الجنائي، خاصة المادة المرتبطة بالإثراء غير المشروع، التي يعتبرها وزير العدل الأسبق الفيصل لمرور مشروع القانون أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب للمصادقة عليه، وهو ما يعتبره مصدر هسبريس نقطة قد تخلق أزمة داخل تحالف الأغلبية. وأضاف المصدر الحكومي أن "تعديل القانون الجنائي بصيغته الحالية، كما قدمه الوزير الرميد، لا يمكن تمريره، نظرا إلى أن مشروع القانون قدمته الأغلبية السابقة في ظروف سياسية مختلفة". وفي ختام تصريحه تساءل المصدر ذاته: "هل سيفجر تعديل القانون الجنائي الأغلبية الحكومية، خاصة مع استحضار ما حدث من جدل خلال المصادقة على القانون الإطار للتربية والتكوين؟".