أصدرت المحكمة الإدارية بمدينة مكناس، أمس الأربعاء، أمراً استعجالياً يقضي بالحجز على أموال الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة درعة تافيلالت، باعتبارها مؤسسة عمومية، لفائدة شركة مَدينة لها بقدر مالي يناهز 80 مليون سنتيم. ويأتي هذا القرار أسابيع قليلة بعد دخول مضامين المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 حيز التنفيذ، التي تقضي بعدم إمكانية خضوع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها للحجر طبقاً لأحكام قضائية. وتعود وقائع القضية إلى حصول إحدى الشركات على حُكم قضى لصالحها بالمبلغ المالي سالف الذكر في مواجهة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة درعة تافيلالت، لكن حين تمت مباشرة إجراءات التنفيذ امتنعت الأكاديمية مبررةً ذلك بالمادة 9. وتنص هذه المادة على "عدم خضوع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها للحجز بأحكام القضاء"، وتلتزم الدولة، بموجبها، في حال صدور حُكم قضائي نهائي قابل للتنفيذ، بصرف المبلغ داخل أجل 90 يوماً حسب الاعتمادات المفتوحة. ودفع امتناع الأكاديمية بالشركة المعنية إلى إيقاع الحجز لدى الغير على مبلغ التعويض ووضعه لدى الخازن الإقليمي التابعة له أكاديمية التربية والتكوين، ورفعت إثر ذلك طلباً إلى رئيس المحكمة الإدارية بمكناس للمصادقة عليه. أمام هذا الأمر، اعتبرت المحكمة الإدارية في ردها أن "المُشرع ولئن منع إيقاع الحجز بصريح المادة 9 من قانون المالية الجديد، فإنه حصر هذا المنع بالنسبة لأموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها فقط دون باقي المؤسسات العمومية الأخرى التي تدخل ضمنها الجهة المدعى عليها، مما يبقى معه الدفع المثار غير مؤسس". وأضاف القرار، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، أن "الحجز لدى الغير موضوع طلب المصادقة في نازلة الحال تم بناءً على سند تنفيذي وهو حكم نهائي صادر عن المحكمة الإدارية"، موردا: "وحيث إنه ما دام أن الدَّيْن موضوع طلب المصادقة على الحجز لدى الغير ثابت ومستحق الأداء وتم بناءً على سند تنفيذي مما تبقى معه شروط المصادقة على الحجز قائمة والطلب حوله مؤسس". وبناءً على ما سلف، صرح رئيس المحكمة الإدارية بالمصادقة على الحجز لدى الغير المضروب بين يدي الخازن الإقليمي، وأمر هذا الأخير بتسليم مبلغ 806.065 درهماً لرئيس كتابة ضبط المحكمة لتسليمه للجهة المدعية، وفق الإجراءات المقررة قانوناً، مع تحميل المدعى عليها الصائر. ماذا يعني القرار؟ يعني هذا القرار الأول من نوعه أن الحجز على أموال المؤسسات العمومية غير مشمول بمقتضيات المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020، وهو أول تفسير لهذه المادة التي أثارت جدلاً كبيراً خلال مناقشتها في البرلمان واضطرت الحكومة لتعديلها لكن بشكل طفيف دون المساس بجوهرها ألا وهو عدم إمكانية الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية. ويبدو أن سعي الدولة لمنع الحجز على أموالها قد باء بالفشل في أول امتحان، فالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مؤسساتٌ عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتخضع لوصاية الدولة، وقد جاء هذا الحكم القضائي مُفسراً لمقتضيات المادة 9 بشكل ضيق جداً وبدون تأويل واسع يجعل الأكاديمية لا تدخل ضمن نطاق تطبيقها. ويطرح هذا الحكم أسئلة عديدة، من قبيل هل أغفلت الحكومة حين إعدادها لقانون المالية تضمين المادة 9 كلمة "المؤسسات العمومية"؟ أم إنها تركت الأمر فضفاضاً مُعتقدةً أن "أموال وممتلكات الدولة" كافية؟ أم تعمدت ترك المؤسسات العمومية المستقلة مالياً، مثل الأكاديميات، لتدبر أمورها بخصوص الأحكام القضائية الصادرة ضدها؟ كما يُعتبر الحكم غير المسبوق تأكيداً لاستمرار قاعدة الحجز على أموال المؤسسات العمومية التي دأبت المحاكم عبر جهات المغرب على إصدارها، بحيث ارتفعت وتيرتها في السنوات الأخيرة لكنها تواجه تماطلاً في التنفيذ، وهو ما يضيع حقوق المُدعين بشكل كبير.