لا شك أن مواكبة تنزيل التربية الدامجة والإسهام في إرساء شروط تحققيها كخيار استراتيجي لبلدنا، فضلا عن تفعيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية يونيو 2019، يفرض على المجتمع المدني الاضطلاع بأدواره الرئيسية التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بدأ بالدور التوعوي وإذكاء الوعي من خلال تعزيز مواقف تحترم حقوق الأطفال في وضعية إعاقة من قبل مختلف الفاعلين في منظمتنا التربوية ومن قبل المجتمع ككل بما في ذلك الأسر. في إطار هدف أكبر يصبو إلى تشجيع الاعتراف بمهارات وكفاءات وقدرات الأشخاص في وضعية إعاقة وإسهاماتهم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية وحث وسائل الإعلام على عكس صور للأشخاص في وضعية إعاقة تتفق والغرض من الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة. مرورا بالدور التشاوري الذي جاءت به الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 4 الالتزامات العامة الفقرة 3 والتي تنص على ضرورة تتشاور الدول الأطراف تشاوراً وثيقا مع الأشخاص ذوي الإعاقة بمن فيهم الأطفال في وضعية إعاقة، من خلال المنظمات التي تمثلهم، بشأن وضع وتنفيذ السياسات الرامية إلى تنفيذ هذه الاتفاقية، وفي عمليات صنع القرار الأخرى التي يتم تسطيرها بشأن المسائل التي تتعلق بهم، وإشراكهم فعليا في ذلك إلى جانب دور أخر أهم وأعمق والمتمثل في الرصد والترافع حول تنفيذ الاتفاقية الدولية وفق المادة 33 من الاتفاقية الفقرة 3 التي تلزم بإسهام المجتمع المدني، وبخاصة الأشخاص ذوو الإعاقة والمنظمات الممثلة لهم، في عملية الرصد ومشاركتهم فيها مشاركة كاملة. من اجل كل ما سلف وفي خضم جهود جمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال التشاور والترافع من اجل تربية دامجة الأطفال في وضعية إعاقة ببلدنا تم إنشاء مجموعات عمل جهوية للتربية الدامجة بكل من جهات: سوس ماسة - الدارالبيضاء الكبرى سطات - طنجةتطوانالحسيمة - الرباطسلاالقنيطرة. في انتظار انضمام جهات أخرى لهذه الديناميات حيث تشكل هذه المجموعات فضاءات تشاورية تتكون من أعضاء من المجتمع المدني وأعضاء منتدبين من القطاعات الحكومية ذات الصلة من مديريات إقليمية وأكاديميات جهوية وتنسيقيات ومندوبيات التعاون الوطني، تقوم بمهام تتبع الوضعية من خلال (يقظة تربوية اجتماعية) وتفكير وصياغة برامج عمل جهوية للتعبئة المجتمعية والترافع لدى ذوي القرارات ذات الصلة بالعملية التربوية، إلى جانب توعية المتدخلين والمجتمع وإذكاء الوعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومع تطور هذه الديناميات الجهوية أفضت صيروراتها إلى قناعة بضرورة إعداد إستراتيجية عمل وطنية موحدة يشارك فيها الفاعلين في الجهات المعنية والجهات الملتحقة بها و خلق شبكة راصدة من الجمعيات وتكوين أطرها حول تقنيات الترافع والمناصرة إلى جانب تبادل التجارب والممارسات الناجحة الذي نفذتها المجموعات في الفترة الأخيرة، والوقوف بشكل دوري على محفزات ومثبطات إعمال حق الأطفال في وضعية إعاقة في التربية والتعليم ببلدنا، فضلا عن تسطير الخطوط العريضة لسبل وأنماط التعاون والاشتغال المشترك مستقبلا من حيث التنظيم ووضع البرامج المشتركة، والاشتغال الترابي بالجهات المعنية ووضع روافد ترصيد للمنجزات الجهوية لتصب في السياق والتطلعات الوطنية.إضافة إلى العمل على تكوين أطر الجمعيات العاملة أو المهتمة بهذا المجال لتملك أدبيات لتربية الدامجة وحقوق الأطفال في وضعية إعاقة . أن الرهانات الحالية والتحديات المستقبلية تقتضي نقاشا وتحليلا عميقا ومسئولا للوضعية الحالية لإعمال حق الأطفال ذوي الإعاقة في التربية بمختلف أبعادها ووضع تصور واضح لآلية يقظة جمعوية لرصد عملية تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة في شموليته بالاستناد إلى دور الجمعيات في تنشيط ودعم صيرورة هذه العملية واستثمار ما طورته من خبرات ومؤهلات في هذا المجال، ولمقاربة هذه الآلية الجمعوية وللإسهام في بلورة رؤية موحدة لهذه الأخيرة أود الوقوف على تعريفات أولية لبعض مهام المأمولة من هذه الآلية بدأ بمفهوم الرصد. الرصد: الذي يقصد به عملية منظمة للحصول على معلومات صحيحة ومدققة وموثقة، والحصول على الأدلة والبراهين عن حدث معين، وهذا المصطلح في مجال حقوق الإنسان مصطلح واسع يصف العمل النشط للجمعيات والهيئات المشابهة في تجميع المعلومات والتحقق منها واستعمالها من اجل معالجة مشاكل حقوق الإنسان. كما يشمل رصد حقوق الإنسان جمع المعلومات عن الحوادث والمراقبة في الانتخابات والمحاكمات والمظاهرات.. إلخ. البحث وتقصي الحقائق: أما البحث وتقصي الحقائق الرديف للرصد في أحايين كثيرة فهو عملية تصف استخلاص الحقائق من أنشطة الرصد وإن كان هنا هذا المصطلح أضيق نطاقا من مصطلح الرصد، ويؤدي تقصي الحقائق إلى قدر كبير من جمع المعلومات للتأكد من الحقائق المحيطة بادعاء انتهاك حقوق الإنسان كما يعني تقصي الحقائق التأكد من مصداقية المنظمة/الجمعية التي تقوم به من خلال استعمالها لإجراءات مقبولة عموما واثبات نزاهتها وعدم تحيزها. التوثيق: فيما عملية التوثيق التي تشمل كلتا المهام السالفة فهي عملية التسجيل المنظمة لنتائج عملية تقصي الحقائق أو التحقيق فيها بهدف تنظيم هذه المعلومات بطريقة تجعل من السهل استعادتها عند الحاجة إليها من خلال استمارة مجهزة مسبقا على سبيل المثال. الملاحظة: أما الملاحظة أو المراقبة فإنها تشير عادة إلى عملية تميل بقدر أكبر من السلبية في ملاحظة الأحداث مثل التجمعات والمحاكمات والانتخابات والمظاهرات، وهي أحد جوانب رصد حقوق الإنسان التي تتطلب حضورا في الموقع الذي يتوقع فيه حدوث مس بالحقوق الإنسان وتجدر الإشارة والتأكيد هنا أن الهدف الرئيسي للرصد هو تعزيز مسئولية الدولة عن حماية حقوق الإنسان، وما تقوم به جمعيات ومنظمات المجتمع المدني إنما جمع معلومات ظاهرة عن مشاكل حقوق الإنسان وأنماط خاصة بالمس بها وانتهاكها. ويتطلب الرصد أساليب دقيقة لجمع معلومات صحيحة ودقيقة. ويتطلب جمع المعلومات بحثا ومتابعة وتحليلا شاملا، والمعلومات السليمة تعتبر أساسية لإعداد تقارير موثقة توثيقا جيدا يمكن الاستعانة بها بعد ذلك لتشجيع السلطات على اتخاذ إجراءات لحماية الحقوق وصد المساس بها من أي جهة كان. إن هذه اليقظة /الرصد تعني أن تدرك الجمعيات التي تقوم به باستمرار الوضع العام وبشكل خاص في ما يتعلق بحالة حقوق الإنسان في المنطقة التي تشغلها من خلال المشاهدة والتحليل، مما يكون لديها صورة شاملة لمحيطها والتي تساعدها بالتالي في أن تكون متيقظا للتعرف على حالات معينة من انتهاكات حقوق الإنسان. ولقيام المجتمع المدني بالأدوار السالفة الذكر هناك متطلبات أساسية للاضطلاع بهذه المهام على أكمل وجه أبرزها ضرورة الوصول والحفاظ على نهج الالتصاق بأوضاع الأطفال في وضعية إعاقة وأسرهم، إلى جانب تملك أدبيات التربية الدامجة وشروط تحققها كما أسلفنا فضلا عن الإلمام بانشغالات وتطلعات الأسر وتوفير إمكانيات مشاركتهم في إنجاح صيرورتها، وبالموازاة مع ذلك لابد من فهم السياق العام والواقع السياسي والاجتماعي للبلد عامة وذي الصلة بالمنظومة التربوية خاصة. كما على المجتمع المدني الحرص على تحقيق تمثيلية لمختلف أصناف الإعاقة، وضمان القدرة على التعبئة والاعتماد على المواطنين في وضعية إعاقة وأسرهم في كل ما يتعلق بتدبير شانهم وإرساء شكل جديد من العلاقات مع هيئات المنظومة التربوية من وزارة، أكاديميات جهوية ومديريات الإقليمية والمؤسسات التربوية وإرساء آليات مستدامة لشراكات متوازنة ومسئولة معها ويمكن تعزيز هذه العلاقات وتطويرها من خلال إشراك هذه المؤسسات في التظاهرات والمبادرات والمشاريع الداعمة وتقاسم المعلومة والخبرات وتقصي التجارب الفضلى لتعميمها. وختاما إذا كانت التربية والتعليم آلية لبناء مجتمعات تسودها العدالة والاستقرار وتوفر لها مقومات الاستدامة، فإنه بقدر ما تتمكن بمختلف أساليبها ووسائلها من توفير تكافؤ في الفرص لكل فئات المجتمع، بقدر ما تكون ضمانة لمشاركة كافة هذه الفئات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية على قدم المساواة. *محاضر وناشط حقوقي في مجال الإعاقة