تداعيات متفرقة جاء بها التوتر الأمريكي الإيراني على منطقة الشرق الأوسط؛ أبرزها، حسب ورقة مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، تأجيج التدخل التركي في ليبيا، وتحدي دعم موسكو لبقاء نظام الأسد في سوريا، وتآكل مصداقية حزب الله في لبنان وميلشيا المتمردين الحوثيين في اليمن. وسجل المصدر ذاته أن مرحلة ما قبل مقتل قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، عرفت على الدوام محاولات مستمرة من أنقرة لشرعنة وجودها العسكري في الغرب الليبي انطلاقاً من طلب المساعدة الذي قدمته لها حكومة الوفاق؛ الأمر الذي يساهم في تأجيج الصراع، لا سيما في ظل محاولات تقودها عواصم عربية وغربية لوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية لهذا الصراع وإنهاء التدخلات الخارجية. وأوردت الورقة أن ليبيا تمثل مصدراً رئيسياً للطاقة بالنسبة إلى تركيا، لا سيما أن الأخيرة تعاني نقصاً رئيسياً من إمدادات الطاقة، وتلجأ إلى استيراد معظمها من دول أخرى، بخلاف الحصول على عقود لإعادة إعمار ليبيا في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع العسكري. غير أن البعد الجغرافي النسبي لأنقرة عن طرابلس، تؤكد الورقة، ورفض الدعم اللوجيستي من قبل الجزائر وتونس، فضلاً عن تقدم قوات الجيش الوطني الليبي وسيطرته على مدينة سرت بحيث لم يعد في مواجهته سوى مصراتة وطرابلس، كل ذلك يضعف نفوذ أنقرة، بالتوازي مع التحركات التي تقوم بها روسيا والتي تشير إلى أنها لا تريد توسيع نطاق الحرب في ليبيا. وفي سوريا، تشدد الورقة البحثية على تخوف موسكو من إمكانية اتجاه واشنطن لاستهداف نظام الأسد في مرحلة لاحقة بدعوى مواجهة النفوذ الإيراني هناك أو لأى سبب آخر؛ وهو ما يلقي بتأثيراته على أعباء موسكو المثقلة منذ انخراطها عسكرياً في الصراع السوري في شتنبر 2015. ولعل ذلك ما يفسر قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة مفاجئة إلى سوريا، حسب الورقة، حيث التقى الأسد في مقر العمليات العسكرية الروسية، في 7 يناير الجاري، للتأكيد على دعم النظام السوري. وقد أعلن ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، أنه "خلال محادثاته مع الأسد، لفت بوتين إلى أنه يمكن القول بيقين إنه تم اجتياز طريق هائل نحو إعادة ترسيخ الدولة السورية ووحدة أراضيها". وبخصوص لبنان، رصدت الورقة، تآكل تهديدات نصر الله ومصداقية حزب الله في لبنان، على الرغم من تلويح حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في خطاب له في 6 يناير الجاري، ب"الحرب المفتوحة" لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة، واستهداف المصالح الأمريكية، إلا أن ذلك يتعذر حدوثه لأنه قد يقود إلى نتائج كارثية على الداخل اللبناني. وسجلت الورقة، كذلك، أن ميلشيا المتمردين الحوثيين لا يمكنها المغامرة باستهداف بوارج بحرية أمريكية، على الرغم من قيامها بحشد مظاهرات ضمت الآلاف من أتباعها في مدينتي صنعاء وصعدة خلال يومي 5 و6 يناير الجاري، فضلاً عن إغراق الشوارع بصور سليماني وأبومهدي المهندس. ويعتري غموض كبير مستقبل ميلشيات الحشد الشعبي في العراق، وفق المصدر، فقد صارت ميلشيات الحشد الشعبي القوة الرئيسية الداعمة للسياسة الإيرانية في مواجهة الولاياتالمتحدة، لا سيما مع إقدام "كتائب حزب الله العراق" على مهاجمة القوات الأمريكية بشكل أسفر عن مقتل مقاول أمريكي في 27 دجنبر الفائت. فضلاً عن ذلك، فإن الضربات الصاروخية الإيرانية على قاعدتين في الأنبار وأربيل تمت، وفقاً لتقارير عديدة، بدعم وتنسيق من الحشد الشعبي؛ الأمر الذي قد يؤثر على العلاقة بين الولاياتالمتحدة والحكومة العراقية، لا سيما في ظل ضغوط الحشد الشعبي على الحكومة ومجلس النواب لإخراج القوات الأمريكية من البلاد. ورصدت الورقة ذاتها خفوت حدة الاحتجاجات الشعبية في إيران، حيث سيوظف النظام الإيراني عملية اغتيال سليماني بشكل ممتد بما يؤدي إلى تراجع الاحتجاجات التي كان تخرج فيها قطاعات واسعة من المجتمع وفي مدن عديدة، على نحو ما برز جلياً خلال العامين الأخيرين. وانتعشت هجمات التنظيمات الإرهابية الخطرة، وهي إحدى النتائج غير المقصودة التي يمكن أن يسفر عنها تزايد التوتر بين واشنطن وطهران، فضلاً عن تعقد حل الصراعات الداخلية المسلحة العربية، وتدخلات الأطراف الإقليمية، يتعلق بمحاولة كوادر ومقاتلي تنظيم مثل "داعش" العودة لتوسيع نطاق هجماته في بعض المناطق الرخوة، وتحديداً على الحدود العراقية.