لا شك أن جُل المجتمعات المعاصرة تَعرف تحولات وتغيرات متسارعة وعميقة في كُل القطاعات والمجالات المختلفة: الاجتماعية منها والثقافية والاقتصادية والسياسية... مما أَنتج بشكل تلقائي مباشر وغير مباشر اختلالات عميقة في القيم والتفاعلات الاجتماعية، بين الأجيال المتعاقبة من جهة وبين المجالات والفئات من جهة أخرى. والمغرب كغيره من الدول له نصيبه من تلك التحولات ومن ثمة فهو يواجه تحديات كبيرة في اختياراته الاستراتيجية التنموية لبناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، وفي مسيرته الحثيثة لتقوية مؤسسات دولة حديثة مُرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، كما يعرف تحديات جمة لإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. وهذه التحديات يُمكن أن نُجمل بعضها في ثلاثة مستويات: المستوى الأول ويتمثل: في كيفية انخراط كافة المواطنين ذكورا وإناثا، شيبا وشبابا، فقراء وأغنياء، مقيمين ومهاجرين، وكل المكونات بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة، لبناء مجتمع متماسك تسوده روح المُواطِن الصالح المُصلح الذي يوازي بين الحقوق والواجبات ويحافظ على الثوابت والمرتكزات، في تغليب مُطلق لمصلحة الوطن. المستوى الثاني ويتمثل: في كيفية الاستفادة من الثروات المادية والبشرية وحتى اللامادية منها، لبناء دولة ديمقراطية حديثة، تُؤمن كل مكوناتها بالاختلاف ويتقاسم أفرادُها خيراتِها في ضوء مبدأ العدالة الاجتماعية والمجالية والتوزيع العادل للثروة، في تغليب مُطلق لمنطق المشترك. والمستوى الثالثة ويتمثل: في كيفية بناء نموذج تنموي قادر على تحقيق الرفاهية للجميع والقضاء على التفاوتات المجالية، وتقليص الهوة الاجتماعية بين مكونات المجتمع المغربي، والقضاء على الصراع القائم حول القيم والمواقف وحول المصالح والمواقع، في تغليب مُطلق لمنطق المصلحة العامة. وفي ظل هذه التحديات وغيرها، وإسهاما في مسار التنمية المحلية والوطنية لمواجهة التنافسية الاقتصادية العالمية، واستجابة للتحولات السريعة للأنساق الثقافية والسياسية والاقتصادية للمجتمع المغربي، يبقى قطاع الشباب والرياضة من أهم القطاعات التي يجب على الدولة المغربية منحه الأولوية القصوى في برامجها واستراتيجياتها التنموية، كونه يستهدف مصانع إنتاج أغلى ثروة مجتمعية، ويُشرف على مناشط فئة واسعة من مكونات المجتمع، إنها فئة الشباب التي تتميز بقدرات وطاقات إبداعية هائلة لا بد من استغلالها والاستفادة من مؤهلاتها جيلا بعد جيل كشرط أساسي لتحقيق تقدم ملموس ومستدام في التنمية والاستقرار. ليبقى قطاع الشباب والرياضة يحمل على عاتقه - إلى جانب قطاعات أخرى- مسؤولية جسيمة في تأهيل وتمكين هذه الشريحة من المجتمع للمشاركة في مسيرة البناء، وفتح منافذ الفرص اللازمة لتفتيق مواهبها وصقل مهاراتها وضمان حضورها الإيجابي في المجتمع، عبر استثمار كل المؤسسات التابعة له وعلى رأسها مؤسسات دور الشباب في شراكات حقيقية مع المتدخلين تتقدمهم الجمعيات والمنظمات والأندية العاملة في المجالات ذات الصلة. إن بناء جيل شبابي قوي بقيم مجتمعه ومؤمن بدوره وواجبه تجاه وطنه وأمته، يستدعي من كل المكونات والمؤسسات الانخراط والتفاعل الإيجابي وتوظيف الإمكانيات المتاحة لدعم تطلعاته والاستثمار في قدراته دعما لجهود التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، وهذا ما تؤكده خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في إحدى فقراتها إذ تُقر "أن الشابات والشبان هم عوامل حاسمة للتغيير، ودورهم محوري لتحقيق التنمية المستدامة". ومن المعلوم كذلك أن هذه الفئة النشيطة من المجتمع - وخاصة الجيل الحاضر- تنفرد باحتياجات واضحة تختلف عن تلك التي عاشها الآباء والأجداد، ومن ثم فلها انتظارات مختلفة تتماشى مع ذلك، كما أنها في مواجهة دائمة ومستمرة لمخاطر محدقة قوية في مقدمتها الاختراق الثقافي - بكل أشكاله المتطرف والمتحلل منه-. ومن ثم فالحاجة قوية لسياسة وقائية لتفكيك بنيات خطاب العنف في محيطها ومن منبعها، ومقاومة عوامل الدفع السوسيواقتصادية والثقافية: من تهميش اجتماعي واقتصادي وانعدام العدالة الاجتماعية، ومن نقص في مساحات الترفيه والتسلية من أنشطة فنية وثقافية هادفة، ومن انحدار في دور التعليم بوصفه وسيلة للتقدم والترقي الاجتماعي. وعلى الضفة المقابلة، فالشباب يحمل على عاتقه مسؤولية تاريخية تدعوه لمجابهة هذا الواقع الغير مُرضي، لا بالتباكي والتأسف وإلقاء اللّوم على الآخر والهروب نحو الأمام، بل بالانخراط الفاعل في النسيج الجمعوي والاهتمام بالمسألة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية: تمهيدا للمساهمة في تدبير الشأن المحلي والشأن الوطني على حد سواء عبر امتلاك مقومات القوة الاقتراحية الترافعية لتتبع وتقييم السياسات العمومية من جهة، ومن جهة أخرى لتفجير طاقاتهم الإبداعية في الفن والثقافة والرياضة والعلوم وغيرها، لمواكبة رهانات الحاضر وتحديات المستقبل. بناء على هذا الواقع نجد أنفسنا كفاعلين ومهتمين أمام أسئلة محورية تفرض علينا الانتباه إليها وتحليلها لتشخيص مدى قدرة مؤسسات دور الشباب على الانخراط في مسار التنمية المنشودة، من بينها: هل ثمة إرادة رسمية على مستوى أصحاب القرار لإشراك حقيقي للشباب وجمعيات المجتمع المدني الهادفة في مسلسل التنمية، وتمكينهم من الفرص اللازمة للمساهمة في الاندماج الاجتماعي؟ ما مدى فعالية تنزيل مقتضيات الوثيقة الدستورية المرتبطة بقضايا الشباب والمجتمع المدني على أرض الواقع وخاصة الفصول 12،13،15، 33 و170 و171؟ ما موقع الشباب ومؤسسات دور الشباب في أولويات برنامج عمل الجماعات PAC، في إطار الاختصاصات المشتركة، أو في إطار الاختصاصات الموكولة لها - مرافق وتجهيزات القرب- ؟ ما موقع الشباب ومؤسسات دور الشباب كذلك في أولويات برامج التنمية الجهوية PDR، في إطار الاختصاصات المشتركة، أو في إطار الاختصاصات الموكول لها ؟ هل من إشراك لدُور الشباب ومجالسها في قنوات التشاور العمومي أثناء إعداد وتفعيل وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية ؟ و لِمَ لَمْ تُعتمد تمثيليتها في الهيئات الاستشارية ؟ هل من تفعيل حقيقي للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، والانفتاح على مجالس دور الشباب في الحوار والنقاش للاستفادة من تجارب روكمت على مدى عقود ؟ أما آن الأوان لإشراك مكونات دُور الشباب في مشاريع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وانخراطها في مسار الاقتصاد الرقمي، والانفتاح على المشاريع المدرة للدخل عبر تكوين وتأهيل ومرافقة حامليها من الشباب ؟ ما نصيب مؤسسات دُور الشباب من الدراسات والبحوث العلمية ولا سيما الأبحاث السوسيولوجية الأنتروبولوجية والمونوغرافية وغيرها ؟ متى تؤدي الأطر العليا والمثقفة خريجة دُور الشباب واجبها، وتَرُدّ الدّين لهذه المؤسسة التي نهلت وتزودت منها لشق طريقها ومستقبلها ؟ كيف السبيل للانفتاح على المحيط الخارجي والتعاون مع مختلف القطاعات سواء الحكومية منها أوالخاصة، من أجل لعب الأدوار التنموية المواطنة ؟ هل تم –حقيقة- استراتيجية تنموية تكاملية بين مختلف المتدخلين للنهوض بقضايا الشباب عامة، وعبر العناية بمؤسسات دور الشباب بشكل خاص؟ ما حجم الميزانيات المرصودة لمؤسسات دور الشباب - التجهيز، الصيانة، النظافة، الحراسة...-؟ وهل التجهيزات المتوفرة ترقى لمستوى التطلعات لاحتضان وجلب أكبر عدد من المرتفقين؟ كيف تستجيب وتواكب مرافق وتجهيزات فضاءات دور الشباب لحاجيات وتطلعات جُل المرتفقين؟ وهل تتوفر بناياتها على الحد الأدنى من الشروط الأساسية للاستقبال كمؤسسة عمومية؟ أليست الأطر المشرفة على تسيير وتدبير هذه المؤسسات في حاجة للتكوين والتكوين المستمر وفق منظور يتماشى ويساير عقلية الجيل الحاضر؟ هل الجمعيات النشيطة بدور الشباب في مستوى التطلعات للمساهمة في تنشئة اجتماعية سليمة ومتكاملة؟ وهل تتوفر على دعم محترم ومشجع للقيام بذلك؟ ما هي قيمة العرض التربوي والثقافي والاجتماعي الذي تقدمه مكونات مؤسسات دور الشباب لفائدة المجتمع باعتبارها محضن مهم لحركيات الشباب؟ ما نصيب بعض الفئات من مكونات المجتمع وفي مقدمتهم ذووا الاحتياجات الخاصة من خدمات مؤسسات دور الشباب؟ وهل تتوفر هذه الأخيرة على بنية استقبال تلائم خصوصياتهم؟ أليست مؤسسات دور الشباب في حاجة ماسة لقانون إطار ينظم العمل بها ويراعي خصوصياتها ؟ أيحق لنا بدءا أن نتساءل عن الاستراتيجية الحوارية للجنة المكلفة بإعداد مشروع النموذج التنموي الجديد، وما مدى واستحضارها لأدوار فعاليات مؤسسات دُور الشباب في المسلسل التنموي؟... إن هذه الأسئلة وغيرها تفرض علينا كفاعلين جمعويين وكمدبري للشأن العام الترابي وكقطاعات حكومية وقطاع خاص وكل المتدخلين والمعنيين بقضايا الشباب، نوعا من الرزانة في التفكير والتحليل للتوصل إلى أجوبة مُقنعة ومُقترحات حلول واقعية تساهم في مجابهة التحديات التي تواجه تطلعات شبابنا ووطننا الحبيب وتعرقل مسلسل التنمية المستدامة المنشودة، مستحضرين في ذلك مقومات التخطيط التشاركي والعمل التكاملي المبني على دقة الأهداف والنتائج. * طالب باحث في سلك الماستر