احتفلت وزارة الصحة المغربية ببداية السنة الجديدة على طريقتها الخاصة، حيث "بشّرت" مرضى الغدة الدرقية الذين يتعذر عليهم إيجاد دواء "ليفوتيروكس" في الصيدليات بوضع رقم هاتفي أخضر (0801005353) رهن إشارتهم قصد "المساعدة". تبيّن في النهاية أن الوزارة أولى بالمساعدة من غيرها لأن الأوضاع فيها تزداد تخبّطاً يوما بعد آخر. فبعدما أصدر خالد أيت طالب، وزير الصحة، بلاغا يوم الثلاثاء الماضي (31 دجنبر 2019)، أبدى فيه تفاعله مع إشكالية اقتناء دواء "ليفوتيروكس"، وقرّر وضع رقم هاتفي أخضر لهذا الشأن، اتضح أن التواصل عبر الرقم المذكور صعب المنال. وحتى إذا ما مرت المكالمة - بشقّ الأنفس - فإن الموظف المسؤول عن هذه "الخدمة الهاتفية" ينفي حينئذ نفيا باتا إمكانية التفاعل الإيجابي مع حاجيات مرضى الغدة الدرقية، موضحا في المقابل أن الرقم الوارد في البلاغ يخص فقط شكايات وتظلمات مرتفقي المؤسسات الصحية العمومية! وعكس ما يوحي به بلاغ الوزارة، فهذا الرقم ليس حديث العهد، ولا يمكن أن "يساعد" بأي حال المرضى الباحثين عن الدواء المذكور. علاوة على ذلك، فقد حثّ الوزير المواطنين على التوجه إلى المندوبيات الإقليمية للصحة لاقتناء الدواء علما أن هذه الأخيرة غير مؤهلة أصلا لاستقبال المرضى، فوظيفتها تقتصر على توزيع الأدوية على المراكز الصحية. ناهيكم عن المشقة التي سيواجهها المرضى، فتصوروا معي مريضا يأتي من منطقة بعيدة إلى مندوبية إقليمية من أجل أن يحظى بدواء لا يتجاوز ثمنه 6,80 دراهم (ليفوتيروكس 25)، مع العلم أنه كان في إمكان الدولة توفيره بشكل جِدّي في صيدلية الحي. السقطة الثانية التي وقعت فيها وزارة الصحة هي فبركتها لربورتاج بتواطؤ مع القناة الثانية من أجل الترويج لنجاح العملية، حيث تمت الاستعانة بممرضة من أجل أداء دور المريضة. وباستثناء مندوبية عين الشق التي شهدت تلك "المسرحية"، فإن مصادر متطابقة تؤكد أن سائر المندوبيات لا تتوفر حاليا على الدواء الموعود. ما جعل مجموعة من المرضى يذهبون، في الأيام القليلة الماضية، إلى المندوبيات التابعة لإقليمهم ويعودون منها متذمّرين لأن الدواء ليس موجودا، ويعلم الله متى سيكون كذك. وعوض أن يجد وزير الصحة "ابن القطاع" حلاًّ لمعضلة انقطاع "ليفوتيروكس" وغيره من الأدوية، في المنبع أي على مستوى المختبرات، والتي بات الكثير منها لا يلتزم بتوفير المخزون الاحتياطي كما يفرضه القانون، فإنه يكتفي حاليا بتسويق الوهم، وإصدار بلاغات تغالط الرأي العام ولا تسمن ولا تغني من جوع. على مدى ستة أشهر، ظل الوزيران الحالي والسابق ينفيان أن هناك مشكلا في توفير ذلك الدواء. ففي يوليوز من العام الماضي، نفت الوزارة الوصية أن هناك انقطاعا للدواء. ومع مرور الأيام، بدأت تعترف بالمشكل فرمت المسؤولية على الصيادلة الذين يصرفون - بحسبها - أكثر من علبة للمريض علما أن الصيدليات لم تكن تتوصل من طرف الشركات الموزعة، طوال هذه المدة، سوى بعلبة أو علبتين، وذلك على فترات متباعدة. فانتقل الموضوع على مائدة الوزارة من الإنكار إلى الاعتراف الجزئي، وصولاً إلى الاعتراف الكلي بالفشل التدبيري من خلال حث المرضى على الذهاب صوب المندوبيات من أجل اقتناء الدواء. ويؤكد هذا الحدث، وما سبقه من أحداث، أن وزارة الصحة تفتقد لسياسة دوائية حقيقية، فضلا عن تغييبها لمبدأ المقاربة التشاركية، ما يجعلها تنحو نحو اتخاذ قرارات أحادية يطبعها الترقيع والشعبوية. وكان حريّاً بممثل الصحة في ما يسمى بحكومة "الكفاءات" أن يقطع مع تلك الأساليب التي تسعى إلى تلميع صورة الوزارة دون الاكتراث لمشاكل الناس. لكنه مع الأسف، على غرار سلفه "ابن القطاع"، جرّ عليه في فترة قياسية غضب المرضى ومهنيي الصحة... وإن لم يصحّح اليوم وجهتَه، فسيعرف غداً المصير ذاتَه.