مُستعيدًا وَهجهُ على حِساب مُعاناة كثيرٍ من المُتضررين، عاد نقاشُ الحرياتِ الفردية إلى الهيمنةِ على جزء كبيرٍ من النقاش العمومي؛ فقد أثارت قضيةُ اعتقال صَحافية مغربية وباحث سوداني، بالرباط، بتهمة "علاقة غير شرعية"، شهر شتنبر الماضي، عاصفة من ردود الأفعال الوطنية والدولية، انتهت ب"عفو ملكي" وإطلاق حملة "خارجة عن القانون". وعلى امتداد السنة المَاضية، فتح نقاش الحريات الفردية على وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة؛ لكن دون أن يكون لذلك صدى على عمل البرلمانيين، فإلى حدود اللحظة لم يأت "نواب الأمة" بأي جديد على مستوى مسودة القانون الجنائي، في حين كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان جريئا في مذكرته الحقوقية الموجهة إلى مجلس النواب. ازدواجية المواقف قال سعيد ناشيد، الباحث المتخصص في التراث الإسلامي، إن "المعيق الأول لاعتماد المغرب قوانين تقوم على مبدأ الحريات الفردية هو تردد الدولة ومؤسساتها، فهي لا تزال مترنحة بين الحداثة والتقليد"، مشيرا إلى أن "غياب موقف واضح يعيق حسم النقاش بشكل نهائي، خصوصا أن النخب بدورها تتسم بالجبن الشديد عند مناقشة هذا الموضوع". وأضاف ناشيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "انتهازية النخب السياسية لا حدود لها؛ فهي لا تستطيع طرح القضايا دون حسابات الربح والخسارة في الانتخابات"، مؤكدا أن "بعض لوبيات الضغط تحاول جاهدة، من جهتها، ألا يحصل أي تقدم على مستوى حقوق الإنسان، بشكل عام في المملكة". وأوضح صاحب كتاب "الحداثة والقرآن" أن "البلاد تمر من أزمة خانقة عقب صعود الإسلاميين وانهيار الأحزاب التقليدية"، مسجلا أن "الإسلام السياسي ليس هو التيار الأغلبي، وإنما يستفيد فقط من التمزق والضعف الذي أصاب باقي الأحزاب"، وزاد مفسرا: "كتلة الإخوان ثابتة وتعتمد أساسا على الولاء والجهل"، مطالبا ب"فتح الفضاء العمومي للنقاش، فهو الكفيل بسحبهم من عقول الناس". النقاش لم ينضج محمد عبد الوهاب رفيقي، باحث متخصص في التراث الإسلامي، اعتبر أن "المانع من تمتيع الأفراد بحرياتهم الفردية الكاملة هو وجود صوتين بارزين داخل المجتمع"، مشددا على أن "هذا الانقسام ولّد جبهة تتجه نحو المطالبة بفتح الملف وإعطاء الحقوق للناس، وجبهة ممانعة ترفض هذا النقاش، وهي التي تأخر حصول التقدم في هذا الموضوع". وأشار رفيقي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن "الدولة تنتظر نضج النقاش داخل المجتمع، وانتهاءه إلى نتائج أو توافقات معينة، يمكن الانطلاق منها والبناء عليها مستقبلا"، مسجلا أن "بعض التوافقات قد ظهرت إلى الوجود فعلا؛ حينما أصبح الجميع يتحدث، على سبيل المثال، عن حماية الحياة الخاصة". وأكمل الباحث المغربي قائلا: "كذلك لا يمكن إغفال مضامين التقرير الأخير لوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، والذي تحدث عن ضمان حرية المعتقد لجميع المواطنين، وكذا رفض عقاب الأفراد بسبب تغيرهم لقناعاتهم الدينية"، وزاد: "ربما قريبا ستتحول هذه التوافقات المجتمعية إلى قوانين سارية، يجري العمل بها". المجتمع مسؤول بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أورد أن "المجتمع يرى الأشياء بازدواجية؛ فالواقع يكشف بالملموس ممارسة الناس للحريات الفردية بشكل عادي في الخفاء، لكن خطابهم يرفضها"، مسجلا أن "الحرب، التي تشن على هؤلاء عبر إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم، لا تضر في عمقها سوى النساء". ولفت لاركو الانتباه إلى أن "المرأة الموقوفة لما تقضي عقوبتها الحبسية تصبح مرفوضة من طرف الجميع، بداية بالعائلة ثم المجتمع"، مؤكدا أن "استمرار القانون كما هو عليه يشرعن رمي الأطفال في القمامة، والإجهاض السري"، مطالبا ب"ضرورة تدارك الأمر، وإقرار قانون يحمي الحريات الفردية لجميع المواطنين". وأردف المتحدث أن "المجتمع بدوره يتحمل المسؤولية، حيث يظن أن التفسخ سيسود في حالة إقرار الحريات الفردية؛ وهو أمر غير صحيح، ففي أعتى الديمقراطيات مثل سويسرا، هناك قوانين تنص على احترام الآداب العامة"، مشددا على أن "الحكومة بدورها تنظر إلى القضية بازدواجية من خلال تراوحها بين تيارين؛ لكن يبقى المحافظ مهيمنا داخلها".