قال أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، إن "للمشروع المجتمعي أبعادا مختلفة، منها الجانب التنموي والتمثلي والحقوقي والقانوني، وكذلك تحقيق الرفاه في مجتمع معين والكرامة والفخر بالنسبة إلى المواطن في انتمائه إلى المجتمع"، مشيرا إلى أنها "أبعاد متعددة يجب السعي إلى تحقيقها، ولا وسيلة أفضل لتحقيقها من غير الوسائل التكنولوجية الحديثة لحمل هذه المضامين والتوجهات في عالم اليوم، لكن هذه القضايا لا يمكن أن تبلور إلا بطريقة تشاركية". وأوضح عبادي، في حوار أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية، على هامش "الجامعة الشتوية" التي عقدت بإفران، أن "الكثير من البلدان في المنطقة كانت تعيش أضربا من الاختلالات في التدبير، مما جعل هؤلاء يحلُمون ب"إسلام اليوتوبيا"، أو بلد يحققون فيه ذواتهم، حيث يصبح الواحد منهم وزيرا للدفاع في "داعش" أو كبير القضاة في "داعش".." إليكم تفاصيل الحوار: كيف تحوّلت الوسائل التكنولوجية الحديثة والرقمنة المعلوماتية إلى آلية لتعزيز خطاب الكراهية عوض دعم سبُل العيش المشترك؟ التكنولوجيا وسيلة، والمستعمل للوسيلة هو الذي يعطيها الوجهة والنكهة، أو أضْرُب النجاعة والتوجيه لهذه الوسائل التكنولوجية الحديثة. لذلك لا بد من التركيز على البعد الفردي؛ لاسيما البعد الفكري والوجداني والاجتماعي للفرد، حيث أصبح هذا الأخير ذا سيادة في العصر الحديث، من خلال توفره على إعلامه الخاص، من جريدة ومذياع وتلفزة، وكذلك جماركه الخاصة التي تسمح بخاصة "البلوكاج" أو السماح بالتجوال لمن يريد في عالمه الخاص. يمتاز الخطاب مع الفرد في القرن الواحد والعشرين بجملة من المقتضيات؛ في مقدمتها عدم سب ذكائه واحترام كينونته والتعاون معه من أجل أن يحقق ما يريد تحقيقه في إطار عدم العدوان على ما يريد الآخرون تحقيقه. هذا يفتح خطا جديدا نحو التوافقيات في مجال مشاريع الكُلّية لمجتمع من المجتمعات، فضلا عن كون المشروع المجتمعي ورشاً خاصا لما له من أهمية بالغة. ولاشك أن للمشروع المجتمعي أبعادا مختلفة، منها الجانب التنموي والتمثلي والحقوقي والقانوني، وكذلك تحقيق الرفاه في مجتمع معين والكرامة والفخر بالنسبة إلى المواطن في انتمائه إلى المجتمع. هي أبعاد متعددة يجب السعي إلى تحقيقها، ولا وسيلة أفضل لتحقيقها من غير الوسائل التكنولوجية الحديثة لحمل هذه المضامين والتوجهات في عالم اليوم، لكن هذه القضايا لا يمكن أن تبلور إلا بطريقة تشاركية. هذه المقاربة التشاركية هي التي ندعو إليها في إطار الغنى الهوياتي لأبنائنا المقيمين بالخارج، حيث أعطتهم إقامتهم ببلدان الاستضافة أبعادا جديدة، تشكل فرصة لبلدهم الأصلي (المملكة المغربية) من أجل أن يفيد ويستفيد في الآن ذاته، من خلال النسج لهذه الأضرب من الغنى بغية بناء مستقبل مشترك أكثر إراحة وقابلية للتملك من لدن الجميع. تحدّثت في محاضرتك عن مجموعة من الأحلام التي جذبت الناس إلى ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية". في نظرك، أي حلم من هذه الأحلام كان أكثر جاذبية في عملية الاستقطاب؟ ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" لم ينجح، وإن نجح مؤقتا بسبب الظفر بخمسة أبعاد، أولها الجاذبيات التي تتساوى كلها، لكن إن طلبت منّي أن أعدّد لك حلما واحدا كان أكثر جاذبية، فربما كان حلم السيطرة على الوضع، حيث يرى الشخص بأنه يوجد في الطائفة المنصورة، وأن تيار التاريخ يحمله إلى قمة النصر الذي هو يقين، وغير ذلك من الأمور التي قد تُريح العقول والوجدانات المتعبة في زمن اليوم. لكن توجد أحلام أخرى، هي الوحدة والخلافة والكرامة والخلاص من نهاية الزمان، لكن التحدي هو أن نبلور أحلاما أكثر جاذبية. وهنا ينفتح المجال للإبداع كي تكون هنالك أحلام واقعية وعملية وبنّاءة ونظيفة ومتوافق حولها. بالإضافة إلى هذا البعد المتصل بالمكونات الخمسة، يوجد بعد ثانٍ هو الجِراحات، حيث يرون أنه تم استعمارنا وأخذت خيراتنا وزوروا تاريخنا، وجِراحات أخرى تحتاج إلى العلاج. البعد الثالث هو البعد التشريعي المتصل بالتأويلات، أي الانغماس في العدو، وإلحاق النكاية به، والولاء والبراء، ثم إحياء الفريضة الغائبة والجهاد، وغيرها من المفاهيم الشرعية، التي كانت تُفصل عن سياقاتها ومواضيعها، وتقدم كما لو كانت هي الأمر الذي ينبغي فعله والقيام به أولا. رابعا، أضْرُب من الكبت كانت وراء النّفرة للذهاب لتلك الحلبات المدمرة. كانت الكثير من البلدان في المنطقة تعيش أضربًا من الاختلالات في التدبير، مما جعل هؤلاء يحلُمون ب"إسلام اليوتوبيا"، أو بلد يحققون فيه ذواتهم، حيث يصبح الواحد منهم وزيرا للدفاع في "داعش" أو كبير القضاة في "داعش"، وكثير من الأمور التي كان يُلوّح بها. خامسا، بعد لا ينبغي إهماله، يتصل بكل هذه الأودية والأنهار من الأموال التي يتم ترويجها. يوجد عدد من المرتزقة ذهبوا إلى هناك، كانوا يشرفون على تهريب الأموال والمقدرات المعدنية والأمور المتصلة بالتراث والأثرية، فضلا عن تهريب القلوب والأعضاء التي تباع بأثمنة خيالية، ناهيك عن الاقتلاع من الأراضي وتهريب المخدرات والبشر، وغيرها من المسائل التي كانت تشرف عليها فئات من المافيات التي تجتذب هذا الصنف تحت غطاء الدين. ماذا تقترح لتعزيز العيش المشترك في سياقنا العولمي المعاصر، الموسوم بتنامي خطاب العداء أو الحذر، على الأقل، تجاه الآخر المختلف فكريا ودينيا وثقافيا واجتماعيا؟ أكيد أن تعزيز العيش المشترك يمرّ من وجدان الإنسان، حيث نستذكر بأن كوكبنا أصبح على درجة عالية من التأثر التي قمنا بها. لذا، علينا أن نتعاون جميعا لإنقاذ كوكبنا وأنفسنا وذرياتنا من بعد، مما يجعله مسألة عملية ووظيفية لا يمكن تجاوزها إطلاقا. هذه الأموال التي نُنفقها خوفا من بعضنا البعض، حيث تصل ميزانيات التسلح في العالم إلى 17 تريليون دولار، في الوقت الذي يجب اقتصادها. وحتى نكون واقعيين في خطابنا، توجد معامل لصناعة الأسلحة تقوم على مصالح كونية كبيرة جدا، مما يجعلنا نتساءل: كيف يمكن تحويل صناعات التسلح نحو وجهات مدنية وأخرى؟. هذا يحتاج إلى الوقت والإبداع لأننا نتكلم عن إنقاذ كوكبنا واقتصاد الأموال. كل هذا الحبور الذي نُفوته بسبب العداوات والكراهيات لا يزيدنا إلا خبلا، وهذا يمنعنا من أن نجمع مقدراتنا ومؤهلاتنا نحو ذرى إبداعية أكثر شموخا كي نضمن عيشا مشتركا صحيا. في الختام، ما موقع الدين في معادلة إحقاق الحوار البنّاء بين الحضارات والتعايش المشترك بين الشعوب والانفتاح المتبادل بين الأفراد؟ بطبيعة الحال، الدين يكلّمنا بصفتنا أسرة ممتدة. لذلك، مفهوم الأسرة الممتدة قوي إن نظرنا إليه بهذه المُقل الواقعية، وأودعنا مفاهيم تتصل بتعزيزه في وجدانات الأجيال في برامجنا التربوية ولعبنا الإلكترونية، وكذلك في رسومنا المتحركة وقصصنا المصورة، حتى لا نبقى عُلْوِيين ويبقى هذا الخطاب مُطلْسما يتجاوز قدرة استيعاب مختلف الطبقات الاجتماعية.