تثير بناية شاهقة يتوسطها باب على شكل قوس كبير مقامة على الطريق الوطنية في اتجاه مدينة مكناس الكثير من الفضول؛ نظرا لهندستها المتميزة التي تحاكي قوس النصر البارسي، لكن ما يثير الدهشة والاستغراب أكثر توقف إتمام الأشغال، وهي في المهد منذ سنوات، بهذه "المعلمة" المثيرة للجدل، لتتحول إلى أطلال تستهوي الغرباء. بناية شُرع في إنشائها في عهد المجلس الجماعي السابق الذي كان يرأسه حميد شباط لتشكل جزء من المركب الثقافي المستقبلي لمدينة فاس، والذي كان مقررا أن تمتد مرافقه المختلفة على مساحة تناهز 14 هكتارا، ليشمل مكتبة كبرى، ودارا للأوبرا، ومعهدا للتكوين في مهن الفنون المختلفة، وفضاءات للتنشيط والترفيه، وقاعة للسينما، ومركزا للأعمال، ومطاعم، ومقاه. "لا نعرف لماذا تم التخلي عن إتمام بناء هذه البناية الضخمة وتركها عرضة للإهمال؛ لقد أصبحت مكانا يقصده الغرباء والمشردون ليلا ونهارا"، يقول أحد سكان حي تغات المجاور للبناية المذكورة، مشيرا في حديثه مع هسبريس إلى أن قاطني الأحياء المطلة على هذه البناية، التي وصف شكلها بالغريب، يجهلون الهدف من إقامة هذا القوس الكبير. وأضاف متحدث الجريدة "أن افتقار هذه البناية لحارس وتواجدها على مساحة شاسعة محاطة بسور غير مكتمل البناء حولها إلى فضاء مهجور، يتم فيه التخلص من الأزبال وبقايا مواد البناء، ما جعل المكان آمنا لممارسة الأفعال المشبوهة، ومرتعا لتفريخ مختلف الحشرات والقوارض التي تشكل خطرا على سلامة الساكنة المحلية". في غضون ذلك، أكد علال العمراوي، النائب الأول للعمدة السابق لمدينة فاس حميد شباط وعضو مجلسها الجماعي الحالي، إلى أن هذه البناية "تم إحداثها في إطار إنجاز مشروع المركب الثقافي الكبير لمدينة فاس"، واكتفى العمراوي، العضو أيضا عن مدينة فاس بمجلس النواب، بالقول، في تصريح مقتضب أدلى به لهسبريس، أنه يجهل مآل هذا الورش، وأسباب تعثر أشغاله. من جانبه، قال عمر الفاسي الفهري، المكلف بالأشغال بمجلس جماعة فاس والنائب الأول لعمدة المدينة، أن المجلس الحالي للجماعة وجد البناية المذكورة لدى تسلمه مسؤولية تدبير الشأن المحلي غير مكتملة البناء، مضيفا أن جماعة فاس عملت على إنهاء أشغالها الكبرى "حتى لا تبقى قضبانها الحديدية مكشوفة"، حسب تعبيره. المنتخب عن حزب العدالة والتنمية وعضو مجلس النواب عن مدينة فاس أورد في حديثه مع الجريدة أن "البناية المعنية وجدت من الناحية التقنية لا تخدم الهدف الذي أنشئت من أجله، وذلك بشهادة المهندس المعماري الذي كان ساهرا على إنجاز الأشغال". وأردف عمر الفاسي الفهري قائلا: "ماعدا هذه البناية لم يتم في عهد المجلس السابق الشروع في إقامة أي مكون آخر من مكونات مشروع المركب الثقافي، كما سجل المجلس الجديد افتقار هذا المشروع للتمويل، وغياب أي إستراتيجية لتنميته". وأبرز المكلف بالأشغال بجماعة فاس أنه على ضوء ذلك، واعتبارا لكون الجماعة برمجت إنجاز مركب ثقافي ومركز للاستقبال والندوات مع مجلس الجهة ووزارة الثقافة في مكان آخر، تمت إعادة توجيه المشروع الذي يحتضن البناية المذكورة برمته وفقا لبنية مالية وتعاقدية جديدة، وذلك لتحويله لمنصة خاصة بتنمية الابتكار تهم المقاولات المبدعة. وختم متحدث هسبريس كلامه قائلا: "نحن في طور إعداد الموارد المالية واستكمال الدراسة التقنية لبدء إنجاز هذا المشروع الذي سيخدم مدينة فاس وشبابها، وذلك تنزيلا لمشاريع جماعة فاس التي يعد اقتصاد المعرفة أحد المرتكزات الأساسية لبرنامج عملها".