جرت الانتخابات الرئاسية في الجزائر لاختيار خلف للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي استقال تحت ضغط الشارع بعد حوالي عشرة أشهر من الاحتجاجات الشعبية الحاشدة غير المسبوقة؛ فيما شهدت منطقة القبائل حوادث عديدة أدت إلى توقف الاقتراع في بعض المكاتب. خرج آلاف المتظاهرين، وسط العاصمة الجزائرية، ضد إجراء الانتخابات التي بدأت الخميس، متحدين الانتشار الكثيف لقوات الشرطة التي منعت تنظيم تظاهرة صغيرة في الصباح، حسب مراسلي وكالة فرنس برس. وحاول المتظاهرون اقتحام مركز التصويت بإكمالية باستور، حيث منعتهم الشرطة برش الغاز المسيل للدموع؛ لكنها اضطرت إلى غلق المركز لنحو نصف ساعة، قبل أن تعيد فتحه. وهتف المتظاهرون: "لا للانتخابات مع العصابات" و"دولة مدنية وليس عسكرية" إلى آخر اليوم، حيث تدخلت قوات الشرطة لتفريق آخر المتظاهرين بالقوة مستخدمة العصي. وفتح نحو 61 ألف مركز تصويت عبر أنحاء البلاد كما كان منتظرا عند الثامنة صباحاً (7,00 ت غ). وفي الساعة الثالثة بعد الظهر (14,00 ت غ)، أعلن محمد شرفي، رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية بلغت 20,43%. وحتى الساعة الحادية عشرة، كانت لا تزال نسبة المشاركة 7,92%، وفق المسؤول نفسه. وبالمقارنة مع نسبة المشاركة في آخر انتخابات رئاسية سنة 2014، بلغت النسبة 23,25% في الساعة الثانية (13:00 ت غ) ووصلت لدى الإغلاق إلى 50,7%. وتوقع المراقبون نسبة امتناع كبيرة بسبب دعوة الحراك الشعبي غلى مقاطعة الانتخابات. وساهمت المقاطعة الواسعة للانتخابات في منطقة القبائل في تراجع النسبة، حيث لم تتعد 0,04% في تيزي وزو و0,14 % في بجاية، أكبر مدينتين في المنطقة التي تضم نحو 10 ملايين نسمة من أصل 42 مليونا في البلاد. "مهزلة انتخابية" أما في العاصمة مركز الحركة الاحتجاجية منذ بدايتها في 22 فبراير، فبلغت 12,33 في المائة، في التوقيت نفسه، حسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. وبمجرد بداية عملية التصويت، اقتحم معارضون للانتخابات مركزي تصويت في بجاية، إحدى أكبر مدن منطقة القبائل، وقاموا "بتحطيم صناديق التصويت وخربوا قوائم الناخبين"، حسب شهود. وشهدت عملية التصويت في هذه المنطقة حوادث عديدة، كما توقفت تماما في تيزي وزو والبويرة، حسب مصادر عديدة. واستمرت المواجهات بين قوات الأمن ومحتجين في وسط مدينة تيزي وزو حتى بعد إغلاق مكاتب الاقتراع وأدت إلى إصابة 20 شرطيا وتوقيف 12 متظاهرا، بحسب مسؤول في مجلس الولاية فضل عدم الكشف عن اسمه. كما قام المحتجون بتخريب مبنى الوكالة المحلية للتوظيف، بحسب نفس المصدر الذي تحدث لوكالة "فرنس برس". وفي العاصمة، تباين الوضع بين المشاركة والامتناع كما في باب الواد، الحي الشعبي بالعاصمة الجزائرية، حيث صوّت منذ الصباح نحو مائة ناخب أغلبهم شباب، كما نقل مراسل وكالة فرنس برس. وأوضح كريم، وهو موظف في الثامنة والعشرين، لوكالة فرنس برس، "أنا أصوت لأنني أخشى أن تغرق البلاد في الأزمة". من جانبه، أظهر السعدي محديد، وهو متقاعد يبلغ من العمر 76 عامًا، بطاقة الانتخاب وعليها طوابع عديدة قائلا: "لقد انتخبت في كل مرة وأنا أصوت اليوم، إنه واجب". أما سيد علي، تاجر يبلغ 48 سنة، فقال: "أنا مع الحراك؛ لكن أن ينتهي هذا، لقد خسرت 70 في المائة من رقم أعمالي والكثير من التجار يوجدون في نفس الوضع". ولكن المشاركة بدت ضعيفة في الساعات الأولى من فتح بقية المراكز، حسب مراسلي وكالة فرنس برس. وأغلب هؤلاء رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خشية تعرضهم للإهانة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أما التلفزيون الحكومي، فأظهر صفوف انتظار طويلة في مناطق من البلاد، حتى أن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي سخروا من الصور متسائلين "كم تلقوا من الأموال" مقابل وقوفهم أمام الكاميرا. ولم يتراجع زخم الحراك الاحتجاجي المناهض للنظام، الذي بدأ في 22 فبراير ولا يزال معارضاً بشدة للانتخابات التي تريد السلطة بقيادة الجيش أن تُجريها مهما كلّف الثمن. ويتنافس خلالها خمسة مرشحين، يعتبر المحتجون أنهم جميعاً من أبناء "النظام". وندّد متظاهرون ب"مهزلة انتخابية"، وطالبوا بإسقاط "النظام" الذي يحكم البلاد منذ استقلالها عام 1962 وبرحيل جميع الذين دعموا أو كانوا جزءاً من عهد بوتفليقة الذي استمرّ عشرين عاماً. دعوة إلى التهدئة ويتهم المحتجون المرشحين الخمسة، عبد العزيز بلعيد وعلي بن فليس وعبد القادر بن قرينة وعز الدين ميهوبي وعبد المجيد تبون، الذين صوتوا صباحا، بأنهم أبناء النظام ويدعمونه بترشحهم. ومنذ أسابيع عديدة، تكرر السلطات خطاب "المشاركة القوية" خلافا لتوقعات المراقبين بنسبة امتناع عالية. ويقول أنطوني سكينر، مدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة "فيريسك مابلكروفت" الاستشارية: "لا يمكن لأي من المرشحين الخمسة التأمل في أن يُعتبر شرعياً" من جانب المحتجين. وحذّرت، الأربعاء، مجموعة شخصيات مقرّبة من الحراك؛ بينهم المحامي مصطفى بوشاشي، والأستاذان الجامعيان ناصر جابي ولويزة آيت حمدوش، من إجراء الانتخابات في سياق "توترات شديدة"، مطلقين نداء للتهدئة. ودعوا، في بيان، السلطات إلى "الابتعاد عن الخطابات الاستفزازية ولغة التهديد وتخوين كل من يخالفها الرأي في كيفية الخروج من الأزمة، ونحملها مسؤولية أي انزلاق قد تؤول إليه الأمور في قادم الأيام". وتصرّ قيادة الجيش على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس جديد للخروج من الأزمة السياسية والمؤسساتية التي تعصف بالبلاد، مقابل رفض تام لأي حديث عن مسار "انتقالي" مثلما اقترحت المعارضة والمجتمع المدني لإصلاح النظام وتغيير الدستور الذي أضفى الشرعية على إطالة أمد حكم عبد العزيز بوتفليقة. كان ينبغي إجراء الانتخابات في 4 يوليوز؛ لكنها ألغيت في غياب المرشحين، غير أن الجيش هذه المرة مضى في مشروعه للخروج من الأزمة الدستورية التي تعمق الأزمة الاقتصادية.