قال مصطفى فارس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن "المغرب من بين الدول الخمس التي أطلقت مبادرة دولية لتشجيع وتنفيذ أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب"، مثمنا "الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية التي تروم تعزيز المنظومة الحمائية لحقوق الإنسان، خاصة في بعدها الجنائي الموضوعي والمسطري، والتي تعكس إرادة حقيقية من أجل مناهضة جريمة التعذيب". وأضاف فارس، في تقديمه لدليل استرشادي لقضاة النيابة العامة في مجال مكافحة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، أن "التعذيب يعتبر أحد أسوء الممارسات التي من شأنها الانتقاص من الذات البشرية والمساس بحرمتها، حيث تنطوي على اعتداء مباشر ووحشي على سلامة الإنسان الجسدية والنفسية وتناقض حقه في الأمان على شخصه وفي العيش بكرامة". وأوضح كبير القضاة أن "المغرب منخرط في ديناميكية لمحاربة التعذيب، وتبرز جلية من خلال عمل السلطة القضائية على تكريس مبدأ الاستقلال كضمانة أساسية ومدخل ضروري لحماية الحقوق والحريات والدفاع عنها بكل التزام ومسؤولية"، مشيرا إلى أن "الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي والتزام دستوري وواجب أخلاقي ومسؤولية وطنية لا مجال للتفريط فيها أو التهاون بشأنها". وشدد فارس على أن "التعذيب يترك آثارا نفسية جسيمة تتجاوز البعد الجسدي لكونها تصاحب المعتدى عليه لفترات طويلة وتترك لديه بصمات مزمنة يصعب محوها؛ من أهمها عدم قدرته على مواجهة الحياة، وصعوبة التواصل الاجتماعي، والشعور بالعار والخضوع، وفقدان الإحساس بأهمية الذات، وفقدان الكبرياء وعزة النفس". و"ذلك دون إغفال الآثار الفيزيولوجية والجسدية للتعذيب"، يقول فارس مضيفا أن التعذيب "يخلف أمراضا، مثل الأرق والقلق وانعدام القدرة على التركيز وصعوبات في الذاكرة والكآبة"، وزاد: "التعذيب أفرز إجماعا دوليا على حظره وتجريمه في سائر الاتفاقيات الدولية وكذا على مستوى التشريع المغربي، وتفاعل معه قضاتنا بشكل إيجابي في العديد من المحطات والنوازل". وأشار المتحدث إلى أن "القضاة يقومون بأعمال رقابة من خلال الزيارات الأسبوعية لمخافر الشرطة للتحقق من شرعية الاعتقال وظروفه إضافة إلى الزيارات الدورية للسجون، من أجل تتبع وضعية الأشخاص المودعين تحت هذا التدبير، وكذا الرقابة التي يقومون بها عند بتهم في طلبات التسليم". وبخصوص الدليل الاسترشادي، أكمل فارس أنه "سيساعد جميع قضاتنا رئاسة ونيابة عامة على الاطلاع على أهم المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة والتي تطرقت إلى المعايير الدولية بخصوص إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة بمناسبة النظر في قضايا التعذيب، أو عند تلقي ادعاءات بالتعرض إلى التعذيب بغاية تتبع وملاحقة من ارتكبه وإنصاف من تعرض له".