شدد مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أن التعذيب يعتبر أحد أسوأ الممارسات التي من شأنها الانتقاص من الذات البشرية والمساس بحرمتها حيث تنطوي على اعتداء مباشر ووحشي على سلامة الإنسان الجسدية والنفسية وتناقض حقه في الأمان على شخصه وفي العيش بكرامة. وأشار فارس إلى أن ذلك يترك آثارا نفسية جسيمة تتجاوز البعد الجسدي لكونها تصاحب المعتدى عليه لفترات طويلة، وتترك لديه بصمات مزمنة يصعب محوها؛ من أهمها عدم قدرته على مواجهة الحياة وصعوبة التواصل الاجتماعي والشعور بالعار والخضوع وفقدان الإحساس بأهمية الذات وفقدان الكبرياء وعزة النفس، وذلك دون إغفال الآثار الفيزيولوجية والجسدية للتعذيب الذي يعد من أبرز صورها الأرق والقلق وانعدام القدرة على التركيز وصعوبات في الذاكرة والكآبة. وأضاف فارس، في كلمة له على هامش لقاء قدم من خلاله الدليل الاسترشادي لقضاة النيابة العامة في مجال “مناهضة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة”، اليوم الثلاثاء 10 دجنبر بمقر رئاسة النيابة العامة بالرباط، والذي يتزامن مع تخليد المجتمع الدولي للذكرى 71 لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأكد أن هذا الإعلان يشكل علامة بارزة في تاريخ البشرية باعتباره ميثاقا تأسيسياً وثمرة لفكر متشبع بالمثل الإنسانية ومرجعا عالميا تهتدى به الشعوب التواقة إلى المزيد من الحقوق والحريات في إطار دولة القانون، مشيراً إلى أن هذه مناسبة “نؤكد من خلالها على التفاعل الإيجابي والديناميكية الكبيرة لبلادنا مع هذه المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، سواء على مستوى التكريس الدستوري الذي يعتبر محددا أساسا لاختياراتها المجتمعية حيث يعد دستور 2011 ميثاقا حقيقيا للحريات والحقوق الأساسية يتلاءم مع المرجعية الكونية. وتابع أن المغرب “صادق على المعاهدات الدولية الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان وكذا تقديمه لتقاريره بانتظام إلى لجان الرصد المحدثة بموجب هذه المعاهدات، ومنها على الخصوص تلك المتعلقة بمناهضة التعذيب وبتفاعله بشكل دائم وبناء مع التوصيات الصادرة عنها، فضلا عن زيارات العديد من المقررين التابعين للآليات والإجراءات الخاصة الأممية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وبمناهضة التعذيب الذين أعربوا كلهم عن ارتياحهم لما تحقق في بلادنا من تقدم في هذا المجال”. وختم فارس كلمته بالقول: إن “الدليل الاسترشادي سيساعد جميع قضاتنا رئاسة ونيابة عامة على الاطلاع على أهم المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة، والتي تطرقت إلى المعايير الدولية بخصوص إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة بمناسبة النظر في قضايا التعذيب، أو عند تلقي ادعاءات بالتعرض إلى التعذيب بغاية تتبع وملاحقة من ارتكبه وإنصاف من تعرض له”، مردفاً “كما سيفتح لنا كسلطة قضائية آفاقا وآليات أخرى للتحسيس والوقاية والتعاون مع كل الفاعلين من أجل مواجهة كل الحالات التي قد تمس بهذه المنظومة الحمائية ذات الأبعاد الدستورية والمؤسساتية والتشريعية والحقوقية المهمة”.