قالت نزهة الصقلي الوزيرة السابقة في التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، إن "من الحيل التي يتم اعتمادها لتزويج القاصرات اللجوء إلى "زواج الفاتحة" (العرفي)، خاصة بالمناطق النائية القروية، وما يرافق ذلك من شيوع للطلاق وتفشي مظاهر لا أخلاقية، من فساد وتفسخ وانتحار وأمراض". وجرّمت المتحدثة ذاتها، خلال مشاركتها في ندوة "تزويج القاصرات عنف ضد الطفلات مشرعن بالقانون" احتضنتها دار الثقافة محمد الخمار الكنوني مساء السبت، فِعل تزويج القاصرات باعتباره "ممارسة قسرية تتنافى والاتفاقيات الدولية، والمادة ال32 من الدستور المغربي التي تدعو إلى ضمان استقرار الأسرة". الصقلي، التي تحملت المسؤولية الحكومية بين سنوات 2007 ويناير 2012 خلال حكومة عباس الفاسي، تناولت الفصل ال20 من مدونة الأسرة الذي يمنح القاضي صلاحيات واسعة، داعية إلى "مراعاة المصلحة الفضلى للطفلات وحمايتهن"، مشيرة إلى أن "85 في المائة من طلبات التزويج يتم قبولها، و10 في المائة من مجموع الزيجات هي تزويج قاصرات". وأضافت المتدخلة أن الحديث عن أي مكاسب في هذا الباب مرتبط بنضالات الحركات النسائية والمنظمات الحقوقية والإرادة الملكية، داعية إلى الكشف عن مؤشرات غير موجودة ترتبط بمعدل سن الرجال المتزوجين بقاصرات، وفرق السن بينهم وبين الطفلات، وهل سبق لهم أن تزوجوا، ونسبة العطالة بينهم، مع تقديمها توصيتين: منع تزويج القاصرات والزواج العرفي، ومعاقبة المرتكبين. وتضمنت الندوة أيضا مداخلة لسلمى الطود، رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة طنجةتطوانالحسيمة، حيث مهّدت لها بالحديث عن القانون 103/13 لمحاربة العنف ضد النساء، وكون تزويج الطفلات "شكلا من أشكال العنف، إلى درجة اعتباره ظاهرة تدعو إلى التأمل نتيجة عوامل تجد جذورها في التاريخ والثقافة"، مستندة في تفسيرها للظاهرة إلى إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، وإلى "ارتكان المعنفات إلى الصمت استنادا إلى ثقافة تقبل بذلك كمظهر من مظاهر علاقة غير متكافئة بين الجنسين". وتحدثت سلمى الطود عن الهيمنة التاريخية للرجل، والتي تجد آلياتها في ثقافة سائدة تضع النساء في وضعية المستسلم الخانع، مضيفة: "إن تزويج القاصرات/ الطفلات شكل من أشكال العنف بمختلف مستوياته الجنسية والاقتصادية والجسدية"، مضيفة أننا "نتحدث عن تزويج القاصر ولا نتحدث عن زواجها"، لتتطرق بعد ذلك إلى الفرق بين التزويج المرتبط بالإكراه والتغرير والزواج كإرادة. وانتقدت رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة طنجةتطوانالحسيمة الفصل ال20 من مدونة الأسرة، الذي يتحدث عن تزويج القاصرات، وكيف تحول من استثناء إلى قاعدة (85 من طلبات التزويج تحظى بالموافقة)، مردفة: "لقد وجهت "يونسيف" تحذيرات إلى عدد من الدول، من بينها المغرب، بسبب تزويج القاصرات كظاهرة تساهم في تعطيل أهداف التنمية المستدامة، والحرمان من الدراسة، واحتمالات الوفاة، والتشوه الخلقي، والحرمان من السعادة والرفاه". أما محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفقه الإسلامي، فقد نبه إلى وجود 125 ألف حالة تزويج للقاصرات سنة 2018، مشيرا إلى أن "مدونة الأسرة لم تحسم بعد في أمر مرجعيتها، فقهية أم قانونية، وأن الإحالات الفقهية القديمة المتزمتة عادة ما تكون لها سياقاتها ومرجعيات تاريخية خاصة"، مع توقفه عند المادة 400 من مدونة الأسرة التي تقول (... ما لم يوجد فيه نص نرجع للفقه المالكي)، ولو أن المدونة تمتح من المرجعيتين. ودعا رفيقي إلى اعتماد قوانين مدنية متحركة تقدم مصالح وحاجيات الإنسان على أسس قيمية؛ مع تخصيص جزء من مداخلته لضرورة مراجعة وتحديث مدونة الأسرة والفصل في مرجعيتها. ومن جهتها، نبهت سعاد النجار، ممثلة المجلس الجهوي لحقوق الإنسان طنجةتطوانالحسيمة، إلى ضرورة مواصلة التعبئة للحد من ظاهرة تزويج الطفلات، والتي ما زالت في ازدياد بسبب عوامل ثقافية اجتماعية وغياب سياسات عمومية تحمي الطفلات، مع دعوتها إلى ضرورة اتخاذ مبادرات تشريعية وانخراط الجميع. يُشار إلى أن ندوة "تزويج القاصرات عنف ضد الطفلات مشرعن بالقانون" أدار دفتها الأستاذ عبد المالك العسري، بعدما مهد بالسياق والمرامي، وتناولت الكلمة في بدايتها نسيبة الطود، رئيسة جمعية الأنوار، معتبرة تجديد النقاش حول ظاهرة مقلقة فرصة لنقاش فكري والحديث عن موروث ثقافي وعادات اجتماعية وجب تخطيها بمزيد من الترافع لتحقيق المساواة الشاملة.