لا يبدي عز الدين ميهوبي، المرشح الرئاسي الجزائري وزير الثقافة السابق، تعجبا أو انزعاجا كبيرا مما يموج به الشارع الجزائري اليوم من انقسام وجدل واسع حول الانتخابات الرئاسية، بين تيار مؤيد وآخر رافض لها، معتبرا أن ما يحدث هو إفراز طبيعي للأوضاع التي عاشها الشعب خلال الشهور الأخيرة، داعيا بسلاسة لغة الأديب التي لا تخلو من حنكة سياسية واضحة إلى التعامل بهدوء مع الأوضاع وأن يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل في نهاية المطاف بين الجميع. وأوضح ميهوبي، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، أن "الشعب تمكن بحراكه السلمي، الذي أبهر العالم بأكمله، من إسقاط نظام حكم امتد لعقود، وهو الآن يتطلع إلى تأسيس نظام جديد قادر على تحقيق مطالبه وتطلعاته التي ثار من أجلها، ومن الطبيعي أن يقارِن ويتردد كثيرا في الاختيار بين الطرق التي ستوصله لهذا النظام الجديد... وأرى أن الحراك الشعبي، الذي بدأ منذ فبراير الماضي، ضعُف زخمه تدريجيا مع تحقق المطالب الرئيسية التي نادى بها: وهي إيقاف المسار الانتخابي للعهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفتْح تحقيقات بل وبدء محاكمة المتهمين بقضايا الفساد الكبرى". وأضاف: "الرافضون للانتخابات والداعون إلى وجود فترة انتقالية، والذين نتفهم آراءهم ويُكفل لهم التعبير عنها عبر مسيراتهم، عليهم بالمقابل أن يتفهموا ويحترموا قرار كتلة كبيرة من الشعب الجزائري تخرج أيضا في مسيرات سلمية لرفض هذا المسار... فأغلب الجزائريين لا يزالون يتذكرون مرارة الفترات الانتقالية التي مرت عليهم، حيث لم تقتصر المخاطر والتحديات على الافتقاد للشرعية الشعبية ومحاولة الجميع التنصل من المسؤولية، وإنما تعدته إلى دخول البلاد إلى نفق من الضبابية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني؛ وهو ما دفع الجميع تكلفته غاليا". وشدد ميهوبي، الذي يبلغ من العمر 60 عاما، على أن "علاقته بقيادة الجيش الوطني، إذا ما كتب الله له التوفيق في تولي مسؤولية رئاسة الجمهورية، سيحكمها الدستور فقط". وأوضح: "نحن بلد يحتكم للدستور، وهو وحده من يحدد مهام كل المؤسسات والهيئات والعلاقة بينها؛ ولكن للأسف في الفترة الأخيرة كثر الحديث، بل وبالأدق التخمينات، حول العلاقة بين الجيش والرئيس القادم أيا كان اسمه، بداية من التشكيك في انحياز الجيش وقياداته إلى أحد المرشحين ودعمه بكافة الإمكانات التي تملكها مؤسسة الجيش، إلى توقع حدوث صدام مبكر بين الرئيس القادم وقيادة الجيش والعمل على إزاحة كل منهم للآخر". وشدد المرشح على أن الأهم بالفترة الراهنة "هو التركيز على إعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، والتي أضعها في أولويات برنامجي". وقال: "نحن مطمئنون لتأكيدات قيادة الجيش بأن عهد صناعة الرؤساء قد ولى إلى غير رجعة، وأنهم سيعملون كما وعدوا على تأمين الانتخابات وتوفير كل الظروف لإنجاحها، ليتمكن الجزائريون من انتخاب رئيسهم بإرادة حرة وبطريقة ديمقراطية ونزيهة... ونثق أيضا بوقوف الجيش وقيادته على مسافة واحدة من المرشحين الخمسة الذين تأهلوا لخوض السباق الرئاسي... الطرف الوحيد الذي سيمنح الشرعية للرئيس المقبل هو الشعب الجزائري". وتابع: "لا ينبغي أن ننسى أن الجيش الوطني هو جيش الشعب، وسليل جيش التحرير، والذي قدّم ولا يزال يقدم الكثير والكثير من العمل والجهد لحماية أمن الجبهة الداخلية والخارجية للبلاد، وهو من ساند ورافق وحمى بمسؤولية كاملة مسيرات الحراك الشعبي منذ لحظة انطلاقها، بل وتبنى مطالب الحراك وأمّن المناخ الملائم لتحقيقها في نهاية المطاف". أما فيما يتعلق بتوقعات الكثير من المراقبين للمشهد بحدوث عزوف واسع عن المشاركة خلال يوم الاقتراع، فضلا عن احتمال تجدد المصادمات والاحتكاكات بين مؤيدي المرشحين للرئاسة وبعض نشطاء الحراك الرافض للانتخابات ووصولها إلى ذروتها خلال ساعات الاقتراع، قال ميهوبي: "هذه أحكام سابقة لأوانها ومخاوف لا مبرر لها، وأنا شخصيا أتنقل بشكل طبيعي بين مختلف الولاياتالجزائرية وأعقد المؤتمرات والتجمعات الشعبية ولم أتعرض لأي حادث يذكر، بالعكس نلمس لدى كتلة كبيرة من الجزائريين الرغبة الجدية في التوجه للانتخابات للخروج من حالة عدم الاستقرار الراهنة والانطلاق لبدء عملية تشريع وتطبيق العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية تحديدا". وفي رد على تساؤل حول وجود معقولية في رفض قطاع غير هين من الجزائريين لإجراء الانتخابات تحت ظل سلطة حكومة رئيس الوزراء نور الدين بدوي، التي يعتبرونها امتدادا لعهد بوتفليقة، فضلا عن وجود شكوك قوية بإمكانية تحالف أركان النظام القديم لدعم مرشح بعينه ليضمن مصالحهم بالعهد الجديد، خاصة أن غالبية المرشحين هم أيضا من رموز نظام بوتفليقة، قال ميهوبي: "هذه قراءة قاصرة، القطيعة الحقيقية تكون مع الممارسات لا مع الأشخاص، ودائما أقول إني وغيري كنا موظفين وخداما بالدولة، ولم نكن موظفين لدى شخص بعينه... الوضع الآن أفضل من حيث الممارسة الديمقراطية وليس أدل على ذلك من السماح بخروج مسيرات للتعبير عن رفض البعض للانتخابات، أو من توجد لديهم آراء مختلفة حولها". وتابع: "اليوم هناك أيضا سلطة مستقلة للانتخابات بالجزائر، وقد قدمت وعودا لكل من الناخبين والمرشحين بأنها ستعمل على أن تكون العملية الانتخابية مقاربة للمعايير الدولية من حيث الالتزام بعوامل النزاهة والشفافية... لذا، أدعو مجددا لعدم استباق الأحداث وإطلاق الأحكام المبكرة بالإدانة اعتمادا على بعض القراءات القاصرة أو غير المدركة للتحولات الأخيرة بحياتنا؛ وفي مقدمتها عظمة وعي هذا الشعب الذي خرج منتفضا للدفاع في وجه المخاطر التي ستحيط به وبالدولة إذا ما استمر النظام السابق بالحكم... والشعب الذي يمتلك بجدارة مهارة استشعار الخطر، لا أتوقع أن يوقفه أحد بالمستقبل". يذكر أن "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" قد انتخب، قبل خمسة أشهر، ميهوبي أمينا عاما له خلفا لرئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى المسجون حاليا بتهم فساد. ولا يستبعد مراقبون أن تنحصر المنافسة بالسباق الرئاسي بين ميهوبي وبين المرشح المستقل عبد المجيد تبون، خاصة بعدما ترددت أنباء عن احتمال دعم حزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم سابقا) لأحدهما بما يملك من قاعدة انتخابية قد تغير المشهد، خاصة في ظل احتمالية وجود مقاطعة شعبية غير هينة. ولم يعلق ميهوبي كثيرا على قضية معتقلي الحراك، واكتفى بالتأكيد على أن ملف هؤلاء "قيد المعالجة أمام العدالة والقضاء الجزائري الذي يحظى باحترام وثقة كبيرة من قبل الجميع"؛ إلا أنه عاد وأكد أن "ملفي السياسات العاجلة لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتمكين الشباب، وتحديدا أصحاب الكفاءات منهم بمواقع المسؤولية، هما على قائمة أولويات برنامجه الانتخابي"، واصفا هذا البرنامج بكونه "كفيلا بوضع الجزائر على الطريق الصحيح، خاصة بما يتضمنه من إصلاحات سياسية تسبق وتمهد لعملية الإعداد لوضع دستور جديد للبلاد: دستور تختفي منه الثغرات ويعمل على استيعاب جميع الجزائريين وتفعيل دورهم بالمجتمع". وتعهد ميهوبي بالعمل على "إطلاق الحريات الفردية والجماعية لتكون بوابة تحول الثقافة والإعلام لأهم دعائم ومراكز القوة الناعمة في جمهورية المؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص التي ينشد بناءها". وأوضح: "الثقافة مقترنة دائما بالحرية، فإذا جاء إنتاجنا الأدبي أو السينمائي والإعلامي متطورا وإبداعيا، فهذا يعني بلا جدال بلورة صورة جديدة أكثر إيجابية للدولة والشعب الجزائري وإرثه الفكري والحضاري والإنساني، وهذا سينعكس على الجالية الجزائرية الكبيرة المتواجدة بالدول الأوروبية، كما سينعكس على الاقتصاد، وتحديدا فيما يتعلق بجذب الاستثمارات". وأبدى تفهما كبيرا فيما يتعلق بضرورة التفريق بين التصريحات التي تصنف بكونها تدخلا سافرا بالشأن الجزائري، وبين رأي أو تعليق بعض الشخصيات من دول صديقة أو مجاورة وتتناول بشكل عام المستجدات والأحداث السياسية على الساحة الجزائرية دون أن ترقى إلى مستوى التدخل. وأوضح: "نحن نؤيد بقوة المظاهرات والهبة الشعبية الأخيرة التي خرجت منددة بتصريحات البرلمان الأوروبي، التي نعتبرها بلا جدال تدخلا مغرضا بشؤوننا الداخلية، ومحاولة للتشويش على صورة البلاد، عبر تقديم تقارير وتحليلات مغايرة للواقع، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا... وأتوقع أن يكون توجه الجزائريين للمشاركة وبقوة في العملية الانتخابية هو الرد القاطع على كل تلك المحاولات". وشهدت شوارع العاصمة الجزائرية، السبت الماضي، مسيرة منددة بمصادقة البرلمان الأوروبي مؤخرا على قرار ندد فيه بوجود "انتهاكات لحقوق الإنسان "بالجزائر، حيث عبر نوابه عن قلقهم من وضعية الحريات بالجزائر وتحديدا ما وصفوه ب"بالاعتقالات التعسفية وغير القانونية" التي طالت صحافيين ونقابيين ومحامين وطلبة ومتظاهرين سلميين. وفيما يتعلق بقرار السلطات الجزائرية إغلاق عدد من الكنائس البروتستانتية بالفترة الأخيرة، دعا ميهوبي منتقدي هذا القرار إلى إعادة النظر في موضوعية الأسباب التي دفعت إليه. وشدد على أنه لا صحة لما "تردد أن القرار جاء في إطار تضييق السلطات الجزائرية على ممارسة غير المسلمين لشعائرهم الدينية أو أنه قد جاء لمناهضة عمليات تبشيرية قامت بها تلك الكنائس". وتابع: "الجزائر بلد يحترم الحريات الدينية للجميع، وهناك دستور وقوانين تكفل حقهم بممارسة شعائرهم الدينية، والدليل هو أن لدينا وزارة اسمها وزارة الشؤون الدينية لا الإسلامية... ولكن الاحترام لا بد أن يكون في إطار القانون وتقاليد المجتمع... والجميع يعرف أنه لكي تبنى مسجدا أو دار عبادة بالدول الأوروبية لا بد أن تحصل على الكثير من التراخيص القانونية، وهذا ما حدث في قضية إغلاق الكنائس، فالأمر يتعلق بجوانب قانونية بحتة". *د.ب.أ