صورة واحدة جمعته بنائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، كانت كفيلة بإطلاق حملة كثيفة من الشائعات والأحاديث التي لا تنتهي حول كونه مرشح المؤسسة العسكرية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في ال 12 من دجنبر القادم. وبالرغم من ذلك، فإن رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون لا يبدي اكتراثا كبيرا للأمر كله، بل ويمكن القول إنه قد بات معتادا على توقع هذا السؤال من قبل أجهزة الإعلام والمبادرة بنفيه والتأكيد على كونه مرشحا حرا ومستقلا، مشددا على أن القضية الأهم في الوقت الراهن هي تصحيح الصورة التي ترسخت في ذهن الجميع حول وجود أغلبية رافضة للانتخابات. وأوضح تبون في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية قائلا: "الحديث عن رفض شعبي واسع للانتخابات هو تعبير غير دقيق، بل ومخالف للحقيقة ... فالشعب الجزائري هو 45 مليون نسمة، والكتلة الناخبة تقدر بما يناهز 24 مليون ناخب، وحتى قياسا بالدول الديمقراطية العريقة، عند خروج الآلاف للتنديد ببعض المواقف المعينة فهو لا يعكس رأي الأغلبية، فمثلا خروج مظاهرات الجمعة الأسبوعية لم يصبح بالزخم الذي كان عليه في أسابيع الحراك الأولى المطالب بإسقاط العهدة الخامسة، ومنع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من الترشح ومحاسبة الفاسدين، لقد كان بالملايين حينذاك، أما الآن فهو بالآلاف". وتابع: "الكل يرصد كيف تحولت شعارات الحراك أيضا إلى استهداف الجيش والمطالبة بالمرحلة الانتقالية التي ترفضها الغالبية من الشعب لأنه يعرف مخاطرها، لذا نتساءل: أين هي الأغلبية الرافضة التي يتحدثون عنها ... الواقع أن هناك أغلبية صامتة وأقلية تستعمل الأبواق الخارجية للصراخ ضد الانتخابات". وأضاف: "نحن ضد المراحل الانتقالية مهما كان نوعها، ولسنا الوحيدين في هذا المسار، فهناك مسيرات شعبية مطالبة بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لأن الجماهير ترى أن إفشال الانتخابات هدفه ضرب الاستقرار في الجزائر، وإدخال البلاد في دوامة من العنف خدمة لأجندات دولية معروفة". وفي رده على المشككين في جدوى الانتخابات وقدرتها على معالجة الوضع الراهن وإيقاف الانزلاق إلى المزيد من المنحدرات، أكتفى تبون (74 عاما) بتقديم صورة مختصرة للصعوبات التي يمر بها الاقتصاد الجزائري اليوم جراء عرقلة تنظيم الانتخابات الرئاسية أكثر من مرة. المتحدث أوضح أن "الاقتصاد في حالة شبه عطالة تامة وكل المؤشرات تتجه نحو اللون الأحمر، فمعدلات النمو المتوقع هذا العام لن تتجاوز بحسب أرقام الديوان القومي للإحصاء 1.5% وهو أضعف معدل نمو للناتج القومي في عشرين عاما الأخيرة، ومعدلات البطالة تتجه نحو الارتفاع، وقد تتجاوز 13% بنهاية العام، أما القروض فهي متوقفة تماما منذ أبريل 2019 نتيجة محاكمة العديد من رجال الأعمال، وتوقيف العديد من مدراء البنوك الحكومية، إلى جانب توقف كلي للاستثمارات الأجنبية المباشرة نتيجة حالة عدم الاستقرار، وفوق هذا كله هناك تسارع في تآكل احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، وزيادة تدهور قيمة الدينار الجزائري". وانطلقت يوم الأحد الماضي الحملة الانتخابية لخمسة من المرشحين كانت السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات في الجزائر قد أعلنت بداية الشهر الجاري عن تأهلهم لخوض السباق الرئاسي، أغلبهم من الوجوه القديمة ورموز نظام بوتفليقة، وفي المقدمة منهم، إلى جانب تبون، رئيس الوزراء السابق علي بن فليس، ووزير الثقافة عز الدين ميهوبي. وبالرغم من تعرض أغلب المرشحين ومؤيديهم لحوادث احتكاك وطرد من قبل الحراك الرافض للانتخابات، قلل تبون من مخاوف البعض من تحول مباشرة المرشحين لحملاتهم الانتخابية إلى رهان وتحد صعب، وقال: "سنشارك بقوة في الحملة الانتخابية، وسننزل إلى الولايات لعرض البرنامج الانتخابي على الناخبين، كما سنعقد مؤتمرات انتخابية وسنشارك في الحصص والبرامج التلفزيونية ... ونعتبر أن استهداف المرشحين أو مندوبيهم أو أي مواطن آخر يرغب في التوجه إلى المشاركة في الانتخابات عملا غير ديمقراطي نندد به ويقع تحت طائلة القانون". ورفض المرشح الرئاسي بشدة تصوير وترجمة البعض لتحذيرات كل من مؤسسة الجيش والرئيس الموقت عبد القادر بن صالح بأن مسار الانتخابات هو استحقاق لا رجعة فيه، وأن الدولة ستتصدى لأي مناورات تستهدف عرقلة الانتخابات، بكونه تمهيدا لاحتمال لجوء السلطة إلى العنف المفرط ضد أي محاولة للتظاهر يوم الانتخابات. وأوضح قائلا: "بالنسبة لاستخدام العنف، فهذا غير وارد إطلاقا، وهذا ما أكده رئيس أركان الجيش بأن الجيش يحمي مطالب الشعب حتى تحقيقها كاملة، وهو ما تأكد منذ انطلاق الحراك الذي لم يشهد سقوط قطرة دم واحدة... وبخصوص حماية الانتخابات من أي عنف محتمل خلال يوم الانتخاب، فهذه مسؤولية السلطات والعدالة، فكل من تسول له نفسه العمل على عرقلة المسار عليه أن يتحمل المسؤولية كاملة أمام القانون". واستبعد تبون كذلك أن يمثل الحراك الراهن تهديدا للاستحقاق الرئاسي عبر الدعوة إلى عصيان مدني سلمي أو ما شابه خلال يوم الاقتراع، مشددا على أن "الانتخابات هدفها الأساسي هو العودة إلى الشرعية، والشعب يتطلع إلى ذلك بأسرع ما يمكن، كما أن الشعب كره سياسات التعيين". وأضاف: "مجددا أقول إن البعض مع الأسف يتحدث بلغة يقينية عن أن الرافضين للانتخابات هم الأكثر عددا، وبالتالي يشكلون تهديدا، وأنا أسألهم ما هو المقياس العلمي الذي اعتمدتموه، فإذا كان هو الأخبار المستقاة من القنوات التلفزيونية فهذا مقياس غير دقيق، وإذا كان المعيار هو عدد الذين يحضرون أسبوعيا لساحة البريد المركزي في قلب العاصمة الجزائر فهؤلاء لا يمثلون أغلبية الناخبين، لأنه حتى إذا افترضنا وصول عددهم إلى مليون، فهم كما قلت لا يمثلون ال24 مليون ناخب المسجلين بالقوائم... الشعب الجزائري في أغلبيته يريد الانتخابات... وإذا كانت الأقلية ترفض فهذا حق ديمقراطي نحترمه". أما فيما يتعلق برده على تساؤل حول ما يثار عن علاقة الجيش بالمشهد السياسي برمته واحتمال تدخله لصالح أحد المرشحين ليحكم ويحفظ مصالح قياداته عن طريقه، قال تبون: "اليوم هناك سلطة مستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات، وهي منبثقة من الحراك ومستقلة عن جهاز الدولة وعن كل المؤسسات التي كانت تنظم الانتخابات فيما مضى... أما الجيش فهو مؤسسة دستورية في البلاد، كما أن الفرق بين الجيش الوطني الشعبي الجزائري وبقية الجيوش في العالم، أنه جيش الشعب وهو سليل جيش التحرير الوطني. وعليه، فإن علاقة الشعب الجزائري بجيشه هي علاقة خاصة، وهي علاقة أكثر من روحية، كما أن الجيش لم يطالب سوى بحماية الأمن العمومي ولم يتدخل يوما في السياسة". وكانت المؤسسة العسكرية التي لطالما عرفت بكونها صانعة الرؤساء بالجزائر، قد ذكرت في افتتاحية مجلتها لشهر سبتمبر الماضي أن "عهد صناعة الرؤساء في البلاد قد ولى بلا رجعة، وأن الشعب سيختار الرئيس المقبل عبر انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة". وفي رده على تساؤل حول إذا ما كان يعتقد أن بوتفليقة قد تعمد إحراق أغلب النخب السياسية بضمهم لحكوماته حتى يتم وصم الجميع بالفساد مثله، أجاب: "أذكر الجميع بأنني كنت أول شرارة للحراك، ثم إن الكفاءات الجزائرية وما أكثرها هي التي شاركت في مختلف مراحل بناء الدولة الجزائرية... أنا منذ تخرجي عملت 31 عاما مع الزعيم الراحل هواري بومدين، وكنت وزيرا مع الرئيس المجاهد الشاذلي بن جديد رحمه الله إلى غاية استقالته، والمجاهد الكبير الراحل محمد بوضياف، ولم أعمل سوى سبعة أعوام مع الرئيس المستقيل بوتفليقة". ورفض تبون التعليق على الأحكام الصادرة في حق بعض رموز النظام السابق، وفي مقدمتهم السعيد بوتفليقة ورئيس الوزراء السابق أحمد أو يحيي. وحول ما إذا كان يشعر بنوع من التشفي حيالهما، خاصة مع ما تردد كثيرا عن دورهما في الإطاحة به عندما كان وزيرا أول، قال: "لا يحق لي ولا لأي أحد التعليق على قرارات العدالة، إنني أحترم بدقة أحكام القضاء بشقيه المدني والعسكري... أما موضوع التشفي، فتربيتي وأخلاقي لا يسمحان بالعودة إلى الماضي، نحن أبناء اليوم ومستقبل البلاد هو الأهم بالنسبة لنا". وكان تبون، الذي يصفه البعض بالرجل الطموح والإداري المحنك والعائد إلى واجهة الأحداث، قد عين رئيسا للوزراء في مايو 2017، ولم يعمر في منصبه إلا ثلاثة أشهر، وحل محله أحمد أويحيى. وجدد في هذا الإطار ثقته في عدالة القضاء في تحديد مصير نجله القابع بالسجن منذ شهر يونيو 2018 على خلفية اتهامه بالتورط في محاولة إغراق الجزائر بكميات ضخمة من الكوكايين مع رجل الأعمال كمال شيخي الملقب ب"الجزار"، مشددا على أنه "قد زج بابني بناء على أوامر من قبل العصابة التي كانت تحكم البلاد". وفي رده على تساؤل حول إمكانية الإفراج عن بعض نشطاء الحراك الشعبي، وتحديدا المجاهد لخضر بورقعة، الملقب بأيقونة الحراك، باعتبار أن ذلك قد يكون عاملا لتهدئة الشارع وتشجيعا للرافضين للانتخابات، أجاب تبون: "الجزائر فيها 45 مليون نسمة، ولم يرتبط اسمها يوما بشخص أو مجموعة من الأشخاص... البعض يقول إن المرشحين للرئاسة ربما لا يريدون إطلاق نشطاء الحراك حتى لا يقوم هؤلاء بإثارة الرأي العام قبيل الانتخابات، وأنا أقول إنه ليس من صلاحيات المرشحين إطلاق سراح الأشخاص الذين تم توقيفهم خلال المسيرات، لأن هذه الصلاحية في يد العدالة الجزائرية فقط". * د.ب.أ