الغاز الكيماوي الخانق الذي تطلقه قوات الأمن الشيلية خلال المظاهرات الاجتماعية مروع للغاية، سواء في طريقة إطلاقه، أو الرائحة المخترقة المنبعثة منه، أو الأضرار التي يسببها للمتظاهرين، على مستوى العين والحنجرة والأنف وباقي أعضاء الجسم، الذين بعد مرور اثنين وأربعين يوما على الاحتجاج ما زالوا يخرجون إلى الشوارع في جميع أنحاء الشيلي مجازفين بحياتهم. بعد تعرضها لهذا الغاز المسيل للدموع، تصبح العين محمرّة، ولا توجد وسيلة لإزالته، وهو في كثير من الأحيان يسبب التسمم أثناء استنشاقه. لا يستطيع الحامض ولا البيكربونات التخفيف مما يوجد في هذا الهواء الغريب والمزعج في الوقت نفسه. خلال الثلاثاء الماضي (26 نوفمبر)، أصيبت إحدى السيّدات بالعمى حينما كانت ذاهبة إلى العمل، جرّاء إصابتها بقنبلة الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها الشرطة خلال المظاهرات الحاشدة. يعتقد الكثير من المتظاهرين، والمجتمع الشيلي بشكل عام، أن الانطباع الناشئ عن هذا النوع من العنف لن يؤدي إلا إلى المزيد من الاستياء والغضب والاحتجاجات على نطاق واسع. فمن ناحية، يُنظر إلى الدولة كبلد غير مستقر ومجهول المصير في العديد من المدن الشيلية. ومن ناحية أخرى، تزداد وتتكاثر الشهادات المتعلقة بالشباب الذين يوجدون في الصفوف الأمامية، وهم يقاومون تلك القنابل الكيماوية التي يتم إطلاقها من قبل الشرطة من مسافات مختلفة. انطلاقا من إحدى جهات الشوارع، التي لا تُرى بشكل جيد بسبب الدخان الكثيف، تظهر مجموعة من الشباب الذين يتجاهلون تلك الطلقات الكيماوية، ويخرجون دفاعا عن الأشخاص المسنّين والنساء والأطفال الذين شاركوا في المسيرة التي دعت إليها "طاولة الوحدة الاجتماعية". هم شباب بوجوه غير مكشوفة، نالوا احترام الناس بفضل حماستهم وشجاعتهم، ولا يملكون سوى قميص ووشاح ونظارات واقية، وأجسادهم مثل المحاربين. في خضم السخط والغضب الاجتماعي، اكتسبوا شهرة دون البحث عنها، لأنهم قاموا بأعمال بطولية وسط مقاومة يعيشونها، ولأنهم يقفون وجها لوجه أمام التدخل الأمني العنيف وغير العقلاني. من يعرف جيدًا هؤلاء "الشباب الأبطال"؟ إنهم يعرفون فقط بالجرأة والحماسة والشجاعة التي لديهم. عندما يصلون إلى المسيرات والمظاهرات، يخفون وجوههم خوفا من العقاب أو الانتقام، ويستحقون الشكر والتقدير أيضًا لأنهم هم الذين يواجهون رجال الشرطة الشيلية لكونهم يشعرون بأنه ليس لديهم ما يخسرونه من خلال تقديم الدعم للأشخاص الذين يمشون في مسيرات ويهتفون أو يحتجون بشكل سلمي. إنهم شباب أبطال لديهم فرصة اجتماعية ضئيلة أو معدومة في بلد يعيش نفاقا اقتصاديا وتعليميا (أو تربويا). عند سؤالهم عن سبب وجودهم في الشوارع، يجيبون ببساطة: "من أجل ألا يوجد المزيد من الأطفال داخل مراكز إيواء القاصرين، من أجل راتب لائق حقا، من أجل بلد أكثر عدلاً لأنه في آخر المطاف الحكومات نفسها هي التي تولد المزيد من الفوارق وعدم المساواة". يبدو، إذن، أن روح الشباب الأبطال تشبه تلك الروح التي كانت توجد في الشباب الآخرين، الذين ماتوا عندما سقطت الشيلي في البئر الحزينة والمشؤومة بسبب الديكتاتورية العسكرية خلال السنوات الفارطة. بالتأكيد، هؤلاء الشباب لديهم روح تتسم بالكفاح الاجتماعي بمستوى باهر من التلاحم؛ كما لديهم أيضا مستوى عال من التضامن مع الأشخاص الذين يسيرون في التظاهرات ويصرخون دون الكشف عن هويتهم، وبدون معرفة بعضهم البعض: إنهم شباب بوجه غير مكشوف، لا يخشون على أنفسهم، ويرقصون فوق الرصاص... شيء مشابه لقصة داود وجالوت، وسيدخلون التاريخ، بلا شك، من بابه الواسع دون امتلاكهم درجات أو أوسمة. كيف يمكننا، إذن، شرح قصص العنف المختلفة التي واجهها هؤلاء الشباب؟ كيف يمكننا تفسير تصرفاتهم الإنسانية المثيرة لسبب وحيد هو أن لديهم ضميرا اجتماعيا كبيرا للغاية؟ على مستوى الامتيازات، لا يمكن التعبير عنها بالتأكيد. ينبغي قول الحقيقة: لقد حدثت المظاهرات لأن الآلاف من الناس تجمعوا في العديد من المدن والساحات والشوارع الشيلية، لكن الشباب الأبطال هم الذين حرّكوا هذه الحشود. هم شباب يؤمنون فقط بالعمل التعاوني وبالمقاومة الجماعية الموحّدة. في الشوارع لا يزال البعض يدافع عن المكان، والبعض الآخر مدرع بدروع مصنوعة من الطبول والعلب القصديرية للتصدي للقنابل والرصاص؛ وهناك أيضا بعض المصابين -منهم من تكسرت رجله أو ذراعه- الذين يشاركون رغم ذلك. خلاصة، هؤلاء الشباب هم بالفعل جزء من "الجوهر" التحرري للثورة الاجتماعية في الشيلي. *أستاذ اللغة الإسبانية ودكتور متخصص في الديداكتيك