نظم النادي المغربي للدراسات في العلاقات الدولية مائدةً مستديرةً شارك فيها خبراء قانونيون واقتصاديون، تباحثوا حول مستقبل العلاقات بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة بعد اتفاق "بريكست" الذي سيخرج هذا البلد من الاتحاد الأوروبي. وفي انتظار تنفيذ "بركسيت"، سارع المغرب إلى توقيع اتفاق شراكة، نهاية أكتوبر المنصرم، مع بريطانيا لضمان عدم إحداث أي قطيعة في العلاقات الثنائية، بحيث يضمن الاتفاق انتقالاً سلساً يُحافظ على انسيابية آمنة للمبادلات، كما سيتم الاحتفاظ بمجموعة من المزايا بموجب اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وفي نظر فتح الله السجلماسي، سفير سابق للمغرب في فرنسا، فإن المملكة المتحدة شريك مهم للمغرب، بحيث توجد في المرتبة السابعة ضمن الشركاء الاقتصاديين، وهو ما يجعل توقيع اتفاقية الشراكة الجديدة أمراً بالغ الأهمية. وذكر السجلماسي، الذي سبق أن تقلد منصب الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، خلال هذه الندوة، أن رهان المغرب من هذا الاتفاق هو ضمان الحفاظ على جميع المكتسبات في العلاقات بين البلدين بشكل أوتوماتيكي، لضمان ألا تواجه الصادرات المغربية فرض الرسوم الجمركية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن صادرات المغرب نحو المملكة المتحدة ناهزت خلال السنة الماضية 8 مليارات درهم في إطار اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وتستفيد من معاملة تفضيلية من خلال الجمارك. وبلغت الاستثمارات البريطانية في المغرب نهاية السنة الماضية حوالي 2.23 مليار درهم، مقابل 2.04 مليار درهم سنة 2017، وتشمل هذه الاستثمارات مجالات عدة، من بينها التجارة والصناعة والعقار. ورغم توقيع الاتفاقية الجديدة بين البلدين، فإن اتفاق "بريكست" قد يحمل مستجدات تستدعي تحيينها، وهو ما يستوجب على المغرب، حسب السجلماسي، متابعة تطور مسار الاتفاق عن كثب في انتظار ما سيسفر عنه في علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي. أما عبد المالك علوي، رئيس المعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي، فيرى أن "بركسيت" يحمل أخباراً غير سارة وسارة في الوقت نفسه، فهذا الاتفاق يعبر، من جهة، عن فشل أوروبا المتحدة، ناهيك عن التساؤل الذي يفرضه بخصوص مستقبل مشاركة بريطانيا في دوري أبطال أوروبا، ومن جهة أخرى، "سيُصبح الأكل البريطاني خارج أوروبا"، وهو أمر إيجابي في رأيه. وأشار علوي في حديثه ضمن الندوة إلى أن المغرب وبريطانيا يشتركان في "الوطنية القوية والشرسة"، بحيث يرى أن الدرس الأساسي المستخلص من اتفاق "بريكسيت" هو "الانكسار بين نخبة معولمة تسكن في لندن والمدن الغنية ويمكنها العمل في أي مكان عبر العالم، وبين الأشخاص الذين يرتبطون محلياً بشكل قوي ويعارضون التحول العميق الذي يعرفه العالم بسبب التكنولوجيا". وبالنسبة لعلوي، فإن تصويت البريطانيين بنسبة كبيرة لفائدة "بركسيت" لم يكن ضد الاتحاد الأوروبي، بل هو تصويت يعبر عن "الانخراط في مشروع وطني قومي يركز على بريطانيا العظمى"، مشيرا إلى أن البريطانيين لا يبحثون عن المال، بل عن هوية. وقال علوي إن توقيع المغرب وبريطانيا لاتفاقية شراكة يعتبر أمراً استراتيجياً، مسجلا أن بريطانيا تعتبر بلداً مركزياً بالنسبة للسياسة الخارجية للمملكة، كما هو الأمر أيضاً بالنسبة للسياسة الداخلية في علاقة بملف الصحراء، نظراً لأن هذا البلد عضو دائم في مجلس الأمن.