تحت عنوان "العدالة المجالية والسياسات العمومية وفعلية الحقوق بالجهة"، فتحت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بطنجةتطوانالحسيمة، الجمعة، بمقر الجهة بطنجة نقاشا عموميا حول واقع العدالة المجالية، ومدى نجاعة السياسات العمومية لتمكين المواطنين من حقوقهم الأساسية، وإثراء الحوار والتفكير الجماعي حول أهم العوائق التي تحول دون تفعيل الحقوق والحريات، واقتراح مداخل جديدة لدعم فعلية الحقوق بالجهة، في أفق بناء نموذج تنموي بديل وفق مقاربة حقوقية. وقال محمد الهاشمي، أستاذ باحث ومستشار لدى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تصريح لهسبريس، إن "التحولات التي يعرفها المغرب الآن، والتي تتجلى في مختلف الاحتجاجات ومبادرات الدولة للتعاطي معها، تعتبر في نهاية المطاف جزءا من دينامية مجتمعية قد نسميها عقدا اجتماعيا قيد التشكل"، مشيرا إلى أن دستور 2011، وما أفرزه من ترسانة مؤسساتية، "يشكل معالم عقد اجتماعي جديد، بينما تعتبر التوترات والمقاربات المعتمدة جزءا من إعادة تشكيل هذا العقد، الذي لا يمكن أن ينحصر في الجانب القانوني فقط، بل كذلك في الدينامية الاجتماعية وما تفرزه من نتائج". واعتبر الهاشمي أن تأثير هذه التحولات على فعلية الحقوق مسألة حتمية، "فهناك نوع من الإجابات عن الأسئلة المطروحة مجتمعيا، خاصة فيما يتعلق بمسألة العدالة المجالية، وتقليص التفاوتات بين مختلف الجهات، وكذا تقليص الفوارق بين الفئات المجتمعية، إلى جانب قضية المساواة، وإصلاح القضاء، والولوج إلى الحقوق الإنسانية الأساسية"، يقول المتحدث ذاته، مشيرا إلى أن هذه المواضيع تطرح بشدة في صلب النقاشات، وتترجمها أحداث الاحتجاجات من خلال الشعارات المرفوعة، مؤكدا أن "العقد الاجتماعي مترابط مع فعلية الحقوق، باعتبارهما عنصرين متوازيين". من جانبه، يرى محمد يوبي إدريسي، أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، ومتخصص في التنمية الترابية والحكامة المجالية، أن تنامي الاقتصاد غير المهيكل "يجسد عنوانا لفشل ما في السياسات العمومية، ابتداء من التصور إلى الأداء، وصولا إلى النتائج"، مشددا على أن "مظاهر هذا النوع من الاقتصاد وتناميها يؤثر سلبا على فعلية الحقوق". واستدل على ذلك برصد بعض تلك المظاهر، التي شخصها في تنامي ظاهرة التهريب، خاصة في المناطق الحدودية، "وهي ظاهرة لها أبعاد مرتبطة بعدم تفعيل الحقوق المجتمعية، وهو ما أفرز لنا فئات هشة"، يضيف الأستاذ الجامعي. تمظهر آخر تناوله المتخصص في التنمية الترابية والحكامة المجالية، خلال حديثه لهسبريس، تمثل في ظاهرة زراعة القنب الهندي، التي اعتبر أنها تفيد بعض المهربين ورؤوس الاتجار بالمخدرات، أكثر مما تفيد الفلاح، قبل أن يعرج على مثال آخر يخص مسألة المتاجرة بالمواطنين، خاصة فيما يتعلق بالاشتغال في حقوق الفراولة بجنوب إسبانيا، دون مواكبة ولا تغطية صحية، وفي ظل ظروف صعبة، معتبرا أن هذه المظاهر "هي تركيبة معقدة، تزاول في السر والعلن، ولا تنضبط إلى فعلية الحقوق، وتمثل جوابا صريحا عن فشل السياسات العمومية". بدوره، اعتبر محمد المرابطي، أستاذ وباحث في مجال حقوق الإنسان، أن "غياب المحاسبة والشفافية في السياسات العمومية يؤثر بشكل كبير على فعلية الحقوق ويساهم في إضعافها"، مستدلا على ذلك بالتأثير المباشر لتفشي الفساد على اتساع رقعة الفقر، "وهو ما يؤدي إلى بروز عدد من التمظهرات السلبية التي تنافي جوهر مبادئ حقوق الإنسان، نظرا لأن الفساد ينتج الفقر، ويتسبب في انتشار البطالة، بل حتى الإرهاب"، يقول المرابطي. ويرى الباحث في مجال حقوق الإنسان أن هناك "تقاطعا جذريا بين الفساد وفعلية الحقوق، باعتبار أنه يتسع في ظل غياب المحاسبة، مما يؤدي بشكل مباشر إلى انعدام الحقوق"، وعدد جوانب تأثيره السلبي على عدد من القطاعات، من بينها ميزانية الدولة وناتجها الوطني الخام، إلى جانب تأثيره على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مستوى التكلفة، "وبالتالي فإن خطورته تظهر في مدى تأثيره على انعدام العدالة، والتأثير على التنمية، وعلى الحقوق الاجتماعية الاقتصادية"، يضيف الباحث في مجال حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه رغم وجود آليات وطنية لمحاربة الفساد، "فإن هناك معيقات وصعوبات لتفعيلها، نظرا لقلة الموارد البشرية التي تبقى غير كافية لمعالجة العدد الكبير من الملفات، وهو ما يفضي إلى عدم إتمام معالجتها"، يقول المتحدث ذاته الذي زاد: "بالإضافة إلى أن المواطن المغربي لديه سلوك يميل إلى التطبيع مع الفساد، مما يفرض ضرورة تفعيل الأدوار التحسيسية بمخاطر الفساد" . وفي سياق متصل، أوضحت سلمى الطود، رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالجهة، أن اللقاء "يندرج ضمن سلسلة من اللقاءات التي يقوم بها المجلس الوطني عبر لجانه الجهوية التي تغطي سائر ربوع المملكة، والتي تهدف إلى إشراك كل المكونات والفعاليات المجتمعية في التفكير والنقاش العمومي حول المعيقات والإكراهات، التي حالت دون أن يحقق النموذج التنموي لبلدنا الرهانات المنتظرة منه". وأضافت أن "البداية يجب أن تتركز حول تشخيص الأعطاب التي تعاني منها التنمية ببلادنا، حتى يتسنى بناء مرتكزات لنموذج تنموي بديل، تعاقد اجتماعي جديد". وترى الطود أن "المساهمة في النقاش العمومي لتشخيص الأعطاب واقتراح البدائل يجب أن تتم من زاوية حقوقية تتفحص مدى فعلية الحقوق والحريات، كمدخل أساسي لتنمية عادلة، تضع الإنسان في هدف مرمى كل المبادرات التنموية والسياسات العمومية"، مستدلة بواقع جهة طنجةتطوانالحسيمة، "التي رغم المؤهلات الطبيعية والاقتصادية والبشرية المهمة التي تتوفر عليها، ورغم أنها تتبوأ المكانة الثانية على الصعيد الوطني من حيث نمو قطاعي الفلاحة والصناعة، فإنها تحمل مع ذلك مفارقات كبرى، اقتصادية واجتماعية ومجالية"، مشيرة في هذا الصدد إلى استمرار عيش بعض المدن والقرى في العزلة والفقر والتهميش، إلى جانب تفاوتات داخل الأقطاب الحضرية الكبرى بين المراكز والهوامش التي لم تستطع استيعاب الأعداد الوافدة في إطار الهجرة الداخلية. وبشأن غياب العدالة الاجتماعية على مستوى الجهة، أوضحت المتحدثة ذاتها أن الجهة تحتل الرتبة الأخيرة في الولوج إلى الطرق المعبدة (43,1 في المائة)، والرتبة الأخيرة في الولوج إلى العلاجات الصحية (41.1 في المائة)، فيما معدل الفقر فيها وصل إلى 9,5 في المائة، بينما المعدل الوطني لا يتجاوز 8,2 في المائة، إلى جانب ارتفاع معدل انتشار الإعاقة بها، والذي وصل إلى 4,5 في المائة مقارنة بالمعدل الوطني 4,1 في المائة، فضلا عن أنها تعتبر الجهة التي تعرف أقل نسبة تمدرس للأطفال المتراوحة أعمارهم بين 7 سنوات و12 سنة، و"كلها مؤشرات تطرح تساؤلات حول استفادة كل الشرائح المكونة لساكنة الجهة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومدى مقاربة السياسات العمومية للتنمية الشاملة بالجهة" تضيف الطود.