يشهد لبنان، منذ شهر، حراكاً شعبياً غير مسبوق أدى إلى استقالة سعد الحريري، رئيس الوزراء؛ بينما يواصل المتظاهرون المطالبة بتنحي الطبقة السياسية مجتمعة، ويحملون عليها فسادها وعجزها عن وضع حدّ للأزمة الاقتصادية الحادة. في ما يلي المراحل الأساسية للحراك الشعبي اللبناني. شرارة "واتساب" أعلنت الحكومة اللبنانية، في 17 أكتوبر، عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية التي تتم عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل "واتساب". فجّر هذا التوجه غضب اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم لهذه الإجراءات، مرددين عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام"، الشعار الرئيسي للربيع العربي. وأحرق المتظاهرون إطارات وقطعوا طرقات في مدن عديدة. تراجعت الحكومة، بعد ذلك، عن فرض الرسم المالي؛ لكن آلاف اللبنانيين واصلوا احتجاجهم، طوال الليل. قطع طرق رئيسية في 18 أكتوبر، أغلقت المدارس والجامعات والمصارف والمؤسسات العامة أبوابها. وفي بيروت، أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين وأوقفت العشرات منهم، وتم إطلاق سراحهم لاحقا. وفي اليوم التالي، تظاهر عشرات الآلاف في البلاد من العاصمة إلى طرابلس شمالاً وصور جنوباً وفي أقصى الشمال في عكار، وفي بعلبك شرق لبنان، كما قطع المتظاهرون طرقاً رئيسية. جميعهم أعلن سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، استقالة وزراء الحزب الأربعة في الحكومة في 19 أكتوبر؛ لكن المتظاهرين واصلوا ترديد شعار "كلن يعني كلن"، في دلالة على تمسكهم برحيل الطبقة السياسية بأكملها التي يحكم معظم أقطابها البلاد منذ ثلاثين عاماً على الأقل. وفي 20 أكتوبر، بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في أنحاء البلاد. صدامات في 23 أكتوبر، أصيب نحو 15 متظاهراً بجروح في مدينة النبطية (جنوب) في صدامات مع عناصر الشرطة البلدية، يدعمهم وفق شهود عناصر من حزب الله وحليفته حركة أمل. في 25 أكتوبر، هاجم مناصرون لحزب الله متظاهرين في بيروت، مرددين شعارات تأييد لزعيمهم حسن نصرالله. ووقعت، في اليوم التالي، اشتباكات بين الجيش ومتظاهرين في منطقة طرابلس. وفي 27 أكتوبر، شكّل عشرات آلاف اللبنانيين سلسلة بشرية على امتداد الساحل اللبناني من الشمال إلى الجنوب بطول 170 كلم. استقالة الحريري وقعت صدامات في وسط بيروت في 29 أكتوبر، حين هاجم العشرات خيماً للمعتصمين ودمروها. وأعلن الحريري استقالة حكومته، في خطوة تلقفها المتظاهرون بالابتهاج. وهو يتولى مع حكومته تصريف الأعمال، إلى حين تكليف رئيس جديد بتشكيل حكومة جديدة. ولم يحدد الرئيس اللبناني، حتى الآن، موعداً للاستشارات النيابية التي يلزمه الدستور بإجرائها من أجل تسمية شخصية تُكلّف بتشكيل حكومة جديدة. في 31 أكتوبر، استأنفت المدارس والجامعات الدروس؛ لكن مئات المحتجين نفذوا اعتصامات عند طرق رئيسية في البلاد، مكررين مطالبتهم بتجديد الطبقة السياسية الحاكمة كاملة. في 3 نونبر الجاري، امتلأت شوارع بيروت ومدن كبرى أخرى بآلاف المتظاهرين، بعد ساعات من تجمع حاشد لمؤيدي رئيس الجمهورية ميشال عون. تحرك طلابي في 6 نونبر، نفذ مئات الطلاب من المدارس والجامعات مسيرات وتظاهرات في كافة أنحاء البلاد. ونظم متظاهرون كذلك اعتصامات أمام مؤسسات عامة. في 9 نونبر، أغلقت العديد من محطات المحروقات أبوابها، بينما هرع اللبنانيون إلى المتاجر للتمون وشراء حاجيات، خشيةً من ارتفاع جديد في الأسعار ونفاذ المخزون. مقتل متظاهر في 12 نونبر، اقترح رئيس الجمهورية تشكيل حكومة مؤلفة مناصفة من اختصاصيين وسياسيين فيما يطالب المتظاهرون بحكومة اختصاصيين مستقلة بعيداً عن أي ولاء حزبي أو ارتباط بالمسؤولين الحاليين. وقال عون، في مقابلة تلفزيونية: "إذا لم يجدوا (المتظاهرون) أي "آوادم" (أشخاص صالحين) في هذه الدولة، فليهاجروا"؛ وهو ما أثار غضب المتظاهرين الذين أحرقوا إطارات ومستوعبات نفايات، وقطعوا معظم الطرق الرئيسية في البلاد مطالبين برحيل الرئيس. وقتل متظاهر برصاص عسكري في منطقة خلدة جنوببيروت، وهو ثاني شخص يقتل منذ بدء الاحتجاجات. في 13 نونبر، توجه مئات المتظاهرين إلى القصر الرئاسي؛ لكن الجيش كان أقفل الطرقات المؤدية إليه بالعوائق الحديدية والسياج الشائك. وفي 15 نونبر، تفاقمت النقمة الشعبية غداة تسريبات أكدت توافق القوى السياسية الرئيسية في البلاد على تكليف الوزير السابق محمد الصفدي (75 عاماً) تشكيل الحكومة، مستبقين بذلك تحديد موعد الاستشارات النيابية وفق الدستور. في مواجهة غضب الشارع، طلب الصفدي سحب اسمه من التداول. واتهم المتظاهرون السلطة بالسعي إلى الالتفاف على مطلبهم بتشكيل حكومة تضم اختصاصيين، بعيداً عن الوجوه السياسية التقليدية. محاصرة البرلمان في 19 نونبر، أكد ميشال عون، الذي لم يبدأ بعد المشاورات النيابية، أنه منفتح على حكومة تضم ممثلين عن الحركة الاحتجاجية. أرجأ البرلمان، الذي حاصره المتظاهرون، للمرة الثانية، جلسة لمناقشة مشروع قانون عفو عام يستفيد منه الآلاف الموقوفين والمطلوبين، ويخشى حقوقيون أن يكون مظلة لتمرير عفو عن جرائم بيئية ووظيفية وتهرب ضريبي. أعادت المصارف فتح أبوابها، بعد إضراب لموظفيها دام أسبوعا. في 21، وفي خطاب ألقاه عشية عيد الاستقلال السادس والسبعين، كرر عون دعوته إلى الحوار بدون أن يقدم مقترحات عملية.