شريط أصفر مشدود على مداخل بعض السلالم الكهربائية في مقر الأممالمتحدة، بمدينة نيويوركالأمريكية، ولافتة مكتوب عليها "خارج نطاق الخدمة". قد لا يبدو هذا العدد القليل من السلالم المتحركة التي جرى إغلاقها أمرا مهما، ولكنه يرمز إلى حدة الأزمة المالية التي تواجهها الأممالمتحدة في الوقت الحالي، حيث لم تسدد عشرات الدول الأعضاء مستحقاتها السنوية للمنظمة الدولية حتى الآن. إن إغلاق السلالم المتحركة يمثل أحد إجراءات الترشيد التي لجأت إليها الأممالمتحدة في وجه الأزمة الراهنة التي وصفها أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للمنظمة، بأنها "أسوأ أزمة نقدية تواجهها الأممالمتحدة منذ نحو عقد من الزمن". وتوقفت الأممالمتحدة عن تعيين موظفين جدد، وخفضت أعداد السفريات الرسمية، كما ألغت الاجتماعات خارج ساعات الدوام، بالإضافة إلى تقليص التدفئة وتكييف الهواء. والسبب وراء هذه الأزمة هو أن 134 دولة فقط من إجمالي الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، 193 دولة، هي التي سددت المستحقات الواجبة عليها للمنظمة الدولية للعام الجاري. وقد نجم عن ذلك عجز وصلت قيمته إلى 1.2 مليار دولار. وأكثر الدول المدينة للمنظمة هي الولاياتالمتحدة والبرازيل وإيران وإسرائيل. وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها الأممالمتحدة، التي لا تستطيع أن تقترض أموالا، عجزا قرب نهاية العام. وعادة ما تسدد الولاياتالمتحدة مستحقات المنظمة في شهر نونبر. ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يصل كامل مديونية واشنطن للأمم المتحدة إلى 100 مليون دولار، مستحقة عن السنة الجارية وسنوات سابقة. وفي رد فعل على أنباء الأزمة المالية للأمم المتحدة، غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي: "اجعلوا جميع الدول الأعضاء تدفع (مستحقاتها)، وليس فقط الولاياتالمتحدة!" ويفاقم تأخر دول أخرى في تسديد مساهماتها على نحو متزايد، من العجز المالي الذي تواجهه المنظمة. ووفقا لما ذكره ريتشارد جوان، الخبير في شؤون الأممالمتحدة، من المركز البحثي "مجموعة الأزمات الدولية"، فإن الأزمة المالية ليست سببا يدعو إلى الخوف على مستقبل المنظمة الدولية. ويشرح جوان: "حتى الولاياتالمتحدة سوف تفي بمعظم التزاماتها المالية للعام الجاري في نهاية المطاف," مضيفا أن الأممالمتحدة تواجه مشكلة سيولة أكثر منها أزمة مالية مكتملة الأركان. وقد تبدو الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الأممالمتحدة متواضعة، بالنظر إلى أن المنظمة لديها آلاف الموظفين وشبكة مكاتب عالمية. وقال متحدث أممي للصحافيين إن إيقاف السلالم الكهربائية أدى إلى توفير 14 ألف دولار سنويا، بواقع 38 دولارا يوميا. ويبدو أن هذه الخطوات تستهدف الصحفيين بالدرجة الأولى، حيث إنه عادة ما يتم الوصول إلى مكاتبهم في الطوابق السفلية بمقر الأممالمتحدة، عبر السلالم المتحركة. وفي الوقت الحالي، يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على استخدام السلم العادي أو المصاعد المزدحمة. ويساور بعض الصحافيين شك في أن الأممالمتحدة تنغص عليهم حياتهم، لتدفعهم إلى الكتابة عن المستحقات المتأخرة للدول الأعضاء في تقاريرهم، وهذه الحيلة تأتي ثمارها حاليا. وأثيرت قضية "السلالم الكهربائية جيت"، مرارا وتكرارا، في جلسات الإيجاز الصحافي التي تعقد ظهر كل يوم، والتي عادة ما تشكل منتدى لتناول الأزمات في العراق أو اليمن أو السودان. وفي معرض رده على سؤال بشأن عدم السماح لموظفي المنظمة بالسير على السلالم الكهربائية حتى وهي متوقفة، حذّر ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، وهو بالكاد يكتم ابتسامة، من الخطر الذي تمثله درجات السلم المرتفعة وزواياها "المعدنية والحادة للغاية". وقال مراسل صحافي آخر إنه يجرى استخدام الأغنام لتقليم العشب في مروج مكتب الأممالمتحدة في جنيف، وتساءل هل تبحث المنظمة استخدامها لنفس الغرض في نيويورك، بغرض توفير النفقات. وقال دوجاريك: "من الممكن أن نتحدث إلى أصدقائنا في البعثة الدائمة لنيوزيلندا، لنرى ما إذا كان لديهم ما يقدمونه". ولكن مروج العشب لا تزال بلا أغنام، في الوقت الذي وصل فيه أمر السلالم الكهربائية إلى طريق مسدود، ولم تنته أزمة التدفق النقدي للأمم المتحدة. *د.ب.أ