سيلاحظ المتتبع للحكومة الجديدة تميز وزراء العدالة والتنمية بسلوكات ومواقف غير معهودة في الوزراء السابقين، سواء من حيث السلوكات الفردية الشخصية التي لا تهم الشأن العام، أم من حيث السلوكات والمواقف التي تتعدى أصحابها لتمس بالشأن العام. وإذا كان من المعلوم أن لكل جديد لذة، وأن من طبع الإنسان التحمس للعمل في البداية يعقبه فتور بعد ذلك، كما هو الشأن، مثلا، للطالب الجديد الذي يقدم على الدراسة بجد وانتظام في أيامه الأولى ثم ما يلبث أن يتعرف على زملاء آخرين فيمل من الاستماع للمحاضرات ويعتاد على أجواء الجامعة، فتخبو في نفسه جذوة الاجتهاد لتعقب ذلك عودة إلى الحالة الطبيعية التي تبحث دائما عن آفاق جديدة، وتتأقلم مع الوضع كيفما كان، فيصدق عليهم الحديث الشريف: يسروا ولا تعسروا، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه. وقس على الدين كل أمور الحياة. فقد تناقلت وسائل الإعلام صور استقبال الملك لأعضاء الحكومة الجديدة، ولاحظ المتتبعون أن وزراء العدالة والتنمية لم يبالغوا في انحناءاتهم لدى لقائهم بالملك، و أن رئيس الحكومة وعد بفتح الحوار شخصيا مع المعطلين، وشوهد وهو يؤدي صلاة الاستسقاء بين عموم المواطنين دون أن "ينضبط" للبرتكول الذي يحدد لرجال الدولة أماكنهم أثناء مثل هذه المناسبات، وصرح مصطفى الرميد منذ اليوم الأول أنه سيلتمس لمعتقلي الرأي عفوا ملكيا، واستغنى كل من الرميد والخلفي عن سيارات الدولة إلا في المناسبات الرسمية، وأقدم عبد العزيزالرباح على الزيادة في أجور عاملات النظافة بوزارته إلى الحد الأدنى للأجر منذ ولوجه إلى الوزارة... إلى جانب حماسة وزراء آخرين أبدوا استعدادهم لخدمة الوطن ومحاربة الفساد مهما كلفهم ذلك من تضحيات. إن الرجوع إلى أدبيات حزب العدالة والتنمية نجدها فعلا تولي اهتماما كبيرا لقضية تولي المسؤولية، وهي كلها أدبيات مستقاة من مرجعيته الإسلامية المبنية على اعتبار المسؤولية تكليفا تجعل صاحبها ملزما بالابتعاد عن كل الشبهات، ولا تعطى إلا لمن يستحقها ولم يطلبها، لأن من طلبها وكل إليها، ومن أسندت إليه دون أن يطلبها أعين عليها، إضافة إلى أن المال العام يعتبر حمى ينبغي أن لا يقترب منه أحد إلا وفق الشرع وبمقدار. إن هاته السلوكات التي ظهر بها وزراء العدالة والتنمية رغم مظهرها البسيط، مشجعة وتبعث التفاؤل في نفوس المغاربة، خصوصا إن استمرت وأصبحت مبادئ راسخة لدى جميع أعضاء الحكومة، لأنها تجسد في العمق مبدأ المساواة وتضع في الواجهة آلية المحاسبة التي أصبحت في الدستور الجديد ملازمة للمسؤولية. كما أنها تزكي في النهاية كلام السياسيين الذي يرددونه كثيرا، وهو المتعلق بخدمة الوطن وإسعاد المواطنين. ويجعل من تسيير الشأن العام مسؤولية وتكليفا، وتضحية من أجل بناء وطن ينعم فيه الجميع بالحرية والديمقراطية. *باحث في العلوم القانونية