يعيشون مع ألمهم بكِلية واحدة متعبة تحت رحمة الأجهزة التي تخذلهم بين حين وآخر، ويعانون في صمت بمراكش، والأمل يحذوهم في النجاة من شبح الموت الذي يتربص بهم، ينتقلون أسبوعيا إلى وحدة تصفية الدم بالمستشفى الجهوي ابن زهر بعاصمة النخيل، ينتظرون حصتهم التي قد تحرمهم منها آلات تعوض عملي الكلي التالفة في الجسم؛ لأنها تتعرض لأعطاب دائمة. إنهم حوالي أربعين مريضا تغيرت حياتهم وانقلبت رأسا على عقب، بعدما أصيبوا بمرض الفشل الكلوي المزمن، التقت هسبريس بعضهم، بعدما بلغ اليأس منهم مبلغه، بسبب أجهزة كثرت أعطابها التقنية، ليحكوا قصصهم بالكثير من الحزن عن مستقبل يعتبرونه غامضا ولا يبشر بالخير، وأدى إلى تذمرهم الحرمان من العلاج، ودفعهم إلى طرق باب المديرية الجهوية لوزارة الصحة لبسط شكواهم؛ لكنهم رجعوا أدراجهم بخفي حنين، على حد تصريحات متطابقة من بعضهم لهسبريس. معاناة منذ الصبى "ثلاثون سنة من الألم والمعاناة تنقلت بين مراكش والدار البيضاء، للخضوع لعملية غسل الكلي التي كانت تكلفني مبالغ لا أستطيع توفيرها أنا القروي الذي ترعرع بدوار بالجماعة القروية أيت إيمور، الذي أصيب بفشل كلوي حوّل حياتي إلى جحيم لولا مساندة الأسرة والعائلة، وبطاقة "الراميد""، بهذه الكلمات الممزوجة بنبرات حزينة يحكي توفيق زغم محنته وباقي المرضى لهسبريس. إلهام الأزهري مراكشية مريضة هي الأخرى بالفشل الكلوي منذ 15 سنة، تقول في تصريح لهسبريس: "معاناتي من هذا المرض كانت بسبب ارتفاع الضغط الدموي"، مضيفة: "الكثير من المرضى الذين يخضعون لعمليات غسل الكلية يشكون من أمراض عديدة مصاحبة كفقر الدم ومرض السكر"، وأشارت إلى أن "إصابتها تعود إلى (La maladie de Berger) التي تلحق الضرر بالكلية، التي يدمرها أيضا تناول الأعشاب الطبية بطريقة عشوائية". الأجهزة عليلة الفشل الكلوي يحتاج إلى أدوية ثمنها مرتفع، وتناولها بدون انقطاع، وتترتب عنه أمراض كثيرة، تروي الأزهري، التي "خضعت لأربع عمليات جراحية لعلاج الفتق والتخلص منه، وأخرى لنزع 33 لترا من المياه من بطني، وواحدة لعلاج الأكياس، وضرب هذا المرض عيني، وخرب جسدي كله"، بتعبيرها. "ومع كل هذا التعب نزداد ألما حين نحضر وتتوقف أجهزة التصفية التي عانت من عوادي الدهر"، يروي أحمد المغربي الذي أصيب بهذا المرض منذ طفولته، "ما يعمق من معاناة المرضى، كفئة في أمس الحاجة إلى حصة العلاج، الذي إن تأخر ستترتب عن ذلك نتائج سلبية على صحتنا.. وهذا الوضع دفعنا إلى الاحتجاج أكثر من مرة، ونقل شكوانا إلى مدير المستشفى والمديرة الجهوية، لكن كانت الأبواب دائما موصدة في وجهنا"، على حد قوله. بناية موبوءة "أما فضاء التصفية فحدث ولا حرج، فالحشرات تشهد على ألمنا ومعاناتنا، والفئران تشاركنا المكان، والأفرشة تؤلمنا والأغطية لا تدفئنا، وكل شيء به يشكل خطرا على حياتنا، فلا مستودعات لتغيير ملابسنا، والمرافق الصحية عليلة".. هكذا تابعت إلهام الأزهري سردها لمحنة الأربعين مريضا، الذين يتناوبون على حصص العلاج بالمشفى المذكور. وقالت: "وضعية هذه البناية، التي أحدثت على عجل بالمستشفى الجهوي ابن زهر، غير مناسبة لتكون مجالا لتلقي حصص علاج الفشل الكلوي، الذي يحتاج إلى شروط خاصة؛ لأن الأمر يرتبط بعملية نقل الدم"، مشيرة إلى أن "المرضى ممن يتوفرون على بطاقة "الراميد" يستفيدون من ثماني حصص للعلاج بالمشفى العمومي، فيما يستفيد من يتلقون علاجهم بالمصحات من عشر حصص". سعيد بنزيدان، الذي ظل صامتا طيلة اللقاء، تدخل فجأة مطأطئ الرأس: "نحن موتى مع وقف التنفيذ، لأن الأجهزة التسعة تعاني يوميا من الأعطاب ما دام أن زمنها الافتراضي انتهى؛ وهو ما يدفع إدارة هذه المصلحة، التي لم تزرها أي لجنة تفتيش، إلى طرق تزيد من أزمتنا وتخلق محننا للمرضى، كإجراء القرعة لتحديد المستفيد، في مرض يتهدد الموت المصابين به بين حين وآخر، بسبب تأخر حصص العلاج"، بتعبيره. حقوقيون يستنكرون وبعد تراكم معاناة 40 مريضا ولجوئهم إلى الاحتجاج، تدخلت فرع المنارة مراكش للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مستنكرا بشدة التماطل والتنصل من تقديم خدمات صحية جيدة ومتواترة وشاملة لمرضى القصور الكلوي، ومطالبا بإنقاذ حياتهم وتأمين حقهم في الصحة، والإسراع للحد من معاناتهم وتوفير قاعات لتصفية الدم حسب الشروط والمواصفات المعمول بها من نظافة، وتهوية وأسرة وأغطية ومراحيض وتوفير الأطر الطبية والأطر المساعدة لتشغيل مراكز أخرى قادرة على استيعاب المواطنين والمواطنات الذي يعانون من هذا المرض المزمن. وحمل هذا التنظيم الحقوقي "الدولة مسؤولية توفير الخدمات الصحية لمرضى القصور الكلوي مجانا، خاصة لحاملي بطاقة "راميد" والفئات الهشة والفقيرة، ووقف معاناتهم والتعجيل بتسهيل الولوج للعلاج للمسجلات والمسجلين في لائحة الانتظار الطويلة. نجتهد للحد من معاناتهم مولاي الكبير مسيامري، مدير المستشفى الجهوي ابن زهر، أوضح، من جهته، أن "أجهزة مصلحة تصفية الدم استعملت لما يقارب عشر سنوات، وقد بدأت أعطابها تكثر، وعلى الرغم من توفر المشفى على عقد مع شركة مكلفة بصيانة هذه المعدات، فإن الأمر يتطلب وجود متخصص بإصلاح الآلات بعين المكان". وقال مدير المرفق الصحي سالف الذكر، في لقاء مع هسبريس، إن "مقر مصلحة تصفية الدم لم يصمم لهذا الغرض، بل تم إحداثه تحت الضرورة، بمكان كان يشكل سابقا مقرا لطب الإنعاش والتخدير.. لذا، فهو يفتقر لمستودع للملابس وللمرافق الصحية الخاصة بالذكور منفصلة عن تلك المخصصة للإناث"، مشيرا إلى أن "الأمر يخدش حياء كبار السن من المرضى لاعتبارات ثقافية". وزاد: "فكرنا في تكوين إطار تابع للمستشفى متخصص في الأجهزة البيوطبية، في مجال صيانة أجهزة التصفية، بتنسيق مع الشركة المكلفة بصيانة المعدات الطبية المتعاقد معها، حتى نتمكن من حل أي عطب مفاجئ في الوسائل المستعملة في تصفية الدم". وأكد المدير نفسه أن "مجلس جهة مراكش أسفي أطلق طلب عروض لشراء سبعة أجهزة مجهزة بأسرة، ستفتح أظرفته يوم 12 من الشهر الجاري"، يورد مسيامري، الذي أوضح أن "الأجهزة القديمة سيتم إصلاح ما يمكن إصلاحه منها، لاستعمالها في الحالات المستعجلة"، نافيا "أن تكون هذه الآلات سببا ناقلا للأمراض للمستفيدين من تصفية الدم؛ لأن الطبيب المشرف على هذه العملية يستحيل أن يسمح بذلك". وبخصوص الأدوية، قال مسيامري إن المستشفى الجهوي لا يتوفر على صيدلي؛ وهو ما "يدفعنا إلى الاعتماد على صيدلي المندوبية لتوفير الأدوية التي يحتاجها مرضى الفشل الكلوي، بتنسيق مع رئيسة مصلحة تصفية الدم. كما نقوم بمجهودات، بالتعاون مع مندوبيات الجهة، بهذا الخصوص"، يقول المدير نفسه. وحسب مولاي الكبير مسيامري، فإن المستشفى يقوم بإجراء الضروري من التحاليل الطبية المرتبطة بتصفية الدم، مشيرا إلى أن "مختبر مشفى ابن زهر سيتم تأهيله، بفضل منحة من البنك الدولي، حتى يتماشى مع حاجيات المرضى". كما سيتم تجهيز مصلحة تصفية الدم بأسرة جديدة في غضون الأيام المقبلة، مؤكدا "صعوبة التفكير في إحداث المستعجلات؛ لأن ذلك يحتاج إلى طاقم طبي وتمريضي متخصص في طب أمراض الكلي"، وفق تعبيره.