المعاناة مع أمراض الكلي هي متعددة الأوجه والأبعاد، لاتقف عند الإحساس بالأمل، والعجز، واليأس، بل يتحكم فيها الإرهاص المادي بالنظر إلى ثقل التكلفة المادية الواجب توفيرها للخضوع لعمليات تصفية الدم، في ظل انسداد آفاق الظفر بكلية والخضوع لعملية زرعها في الجسم ، التي تمكّن من منح المريض نفسا جديدا وأفقا أرحب للحياة، مما يدفع العديد من المرضى الذين يعيشون العوز الاجتماعي والإقصاء والهشاشة بكل أنواعها، إلى طرق أبواب مؤسسات الدولة بحثا عن علاج متكفل به، وهو أمر وإن تأتى لفئات معينة إلا أنه في حالات بعينها لايكون دوما في المتناول، بل يشكل ضمان وديمومة استمراره أرقا يطير حين التفكير فيه النوم من الجفون وتخفق لهول وقعه الأفئدة. مرضى غاضبون على بعد أيام قليلة من تخليد اليوم العالمي لأمراض الكلي خرج عدد من المرضى وذويهم في عدد من مناطق المغرب، للاحتجاج والتعبير عن غضبهم وخوفهم من أن تصاب الأجهزة التي تمكنهم من الاستمرار في الحياة ، بالشلل، وأن يجدوا أنفسهم في لحظة غير متوقعة بين الحياة والموت. إحدى هاته الوقفات الاحتجاجية كانت منطقة ليساسفة بالعاصمة الاقتصادية ، مسرحا لها، إذ تجمّع جمع من المرضى وذويهم مؤازرين بفعاليات من المجتمع المدني في وقفة ساخطة أمام المركز المرجعي لتصفية الدم بليساسفة، وهو المركز الذي دشن سنة 2006 ، وأصبح اليوم، وفقا لتعبير عدد منهم، بمثابة هيكل بدون روح، ومجرد أنقاض تعجل بحتمية إغلاقه بصفة نهائية، وذلك نتيجة لافتقاد أجهزته المشكلة من 18 آلة لتصفية الدم التي تقلّص عددها إلى 10 آلات فقط للصيانة، وكذا بفعل تقليص مدة الحصة الواحدة من 4 ساعات إلى ساعتين فقط، فضلا عن تخفيض الحصص الأسبوعية من حصتين إلى حصة واحدة فقط، وهو ما يشكل بالنسبة للمرضى وذويهم عنوانا عريضا للخطر!
سخط وتوضيح المرضى البالغ عددهم 68 مريضا من مختلف الأعمار، من الجنسين، بمعية أهاليهم والمساندين لهم ، رفعوا شعارا هو مطلب مدستر، ويتعلق الأمر ب «الصحة حق»، مضيفين شعارا آخر هو «جهاز تصفية الدم = حياة المريض»، مشيرين ، حين بسط معاناتهم ، إلى أن هناك حالات تستلزم نقل المرضى عبر سيارة الإسعاف ، وهو ما أضحى يستحيل تحققه بفعل عدم توفر هذه الوسيلة. المدير الجهوي لوزارة الصحة، الدكتور رشيد مولكي، أكد بأن الأمر يتعلق بعطب طال ثلاث آلات للتصفية فقط وبأن المشكل تم حلّه، مشددا على أن الخدمات الصحية للمركز هي تقدم بشكل طبيعي، في الوقت الذي كان هناك نقاش آنذاك من أجل نقل استفادة المرضى إلى مركز آخر، مضيفا أن عقدة للصيانة على امتداد ثلاث سنوات هي في طريقها للتوقيع، والتي ستكون قابلة للتجديد من أجل ضمان استمرارية عمل الآليات حتى يواصل المركز خدماته بشكل طبيعي.
احتجاجات ب «طعم» واحد لغة وأشكال الاحتجاج لم تقف عند ليساسفة بالدارالبيضاء، فبالحسيمة هي الأخرى عبّر عدد من المرضى، وفقا لما تم تداوله إعلاميا، عن تكبدهم لمعاناة نتيجة إلى التوجه صوب مستشفيات جامعية بكل من فاس ووجدة والرباط، بل وحتى الدارالبيضاء، للخضوع لتدخلات جراحية على مستوى الشرايين، مع مايعني ذلك من تكاليف مادية هي ليست في متناول الجميع، قبل العودة للخضوع من جديد لعمليات تصفية الدم بمسقط الرأس، وذلك لغياب طبيب مختص. وبالخميسات كذلك يطالب حوالي 76 مريضا ومنذ سنتين بتمكينهم من خدمات تصفية الدم، لكونهم لم يستطيعوا ان ينتقلوا من لائحة الانتظار إلى قائمة المستفيدين، محمّلين مسؤولية التأخر وعدم الالتفات إلى وضعيتهم الصحية ومعاناتهم المتعددة، لمسؤولي وزارة الصحة على المستوى المحلي والمركزي، داعين السلطات المحلية إلى التدخل لحلّ هذا الإشكال. تغيرت الاحتجاجات والفئة واحدة، وهي مرضى القصور الكلوي، فعلى مدار السنوات الأخيرة شهدت عدة مدن احتجاجات عدة للمطالبة ب«العدالة الطبية»، و بالحق في تمكين المرضى من الاستفادة من حصص تصفية الدم وإحداث مراكز في الأماكن التي لاتتوفر فيها، مما يبين، بعيدا عن لغة الأرقام التقريبية ، أن الواقع يؤكد حضور المرض وانتشاره بشكل مؤلم في صفوف المواطنين الذين منهم من يموت في صمت! شراكات للتخفيف من حدة الخصاص أكد المدير الجهوي لوزارة الصحة الدكتور رشيد مولكي أن وزارة الصحة لاتدّخر جهدا للإجابة عن احتياجات مرضى الكلي الذين تتطلب وضعيتهم الصحية الخضوع لعمليات تصفية دم من خلال حصص أسبوعية، مشيرا إلى أن عدد المستفيدين يبلغ 309 مستفيدين بسبعة مراكز تابعة لوزارة الصحة في الوقت الذي يتم العمل في أخرى بشراكة مع جمعيات، وهذه المراكز تتوزع ما بين الحي الحسني، الفداء مرس السلطان، مولاي رشيد، عين السبع، آنفا، المحمدية وعين الشق، مضيفا بأن عدد المستفيدين في إطار الشراكات مع الجمعيات الفاعلة في هذا المجال، يصل إلى 234 مستفيدا، في حين ، ومن خلال الشراكات مع القطاع الخاص التي تمكن المرضى من الخضوع لعمليات تصفية الدم بمراكز الخواص، يستفيد 550 مريضا من هذه الخدمات. مجهودات ولكن... المجهودات التي لايمكن تجاهلها أو إنكارها التي تقوم بها الدولة من خلال مؤسساتها الرسمية وجمعيات المجتمع المدني، مكّنت عددا كبيرا من المرضى من الاستفادة من حصص تصفية الدم، لكنها بالمقابل لم تستطع الإجابة عن عدد كبير من الطلبات بفعل التحاق أعداد مهمة سنويا من المواطنين بقائمة مرضى الكلي الذين تدرج أسماؤهم ضمن لوائح الانتظار، الذين لايلجونها في الغالب الأعمّ إلا في حال وفاة مرضى آخرين بكل أسف، مما يدلّ على أن تصفية الدم ما هي إلا إجراء مرحلي لايساهم في العلاج وإنما يجب أن يكون مقدمة لاستفادة من عمليات لزرع الكلي، وهو الأمر الذي لاتزال تعتريه العديد من الصعوبات رغم التدخلات الجراحية التي يتم إجراؤها بين الفينة والأخرى بهذا المركز الاستشفائي الجامعي أو غيره، وذلك لتعثر عمليات التبرع التي تحتاج لتعبئة جماعية لإنقاذ أرواح العديد من المرضى الذين يئنون في صمت ولايسمع غيرهم أنينهم العليل.