يكتب هذا العمود الصحافي بحماسة وقوة تليقان، حقا، ببناء أو تشكيل بلد ما. كما يكتب من خلال الأسئلة المستحيلة والألم الواضح لعديد من الأشخاص الذين يبحثون، منذ سنوات، عبر جميع أنحاء التشيلي، عن أجوبة إنسانية وتضامنية وذكية مرتبطة بوضعيتهم كمواطنين. تكتب هذه الكلمات أيضا بمداد الأفراح العارمة للأطفال والشباب والنساء والرجال، الذين "يحملون كتبا في رؤوسهم، وأزهارا في شعرهم، وموسيقى في أرواحهم" من أجل رؤية القيمة الكبيرة التي نمتلكها بصفتنا كبشر وكأشخاص. كما أنها تكتب أيضا من خلال استحضار أرواح أولئك الذين قضوا نحبهم على الحدود الجشعة بمجرد المطالبة بما هو جدير ومستحق. في ظل الجوهر الغامض المتمثل في التعبئة والاجتماع والغناء والمطالبة ورفع الأصوات، تم تشكيل وسط شوارع البلاد "الربيع الاجتماعي التشيلي"، والذي بدأ منذ أيام عديدة وأصبح بعد ذلك بمثابة المحرك والروح في هذا الحزن العظيم للمواطنين من أجل مجتمع أكثر التزاما ووضوحا. إن الشعارات المكتوبة التي لاحظتها في العديد من المظاهرات والمسيرات، التي اعتمد بعضها على السخرية وبعضها الآخر على التحويل اللغوي وأيضا على الحس الشعري في أكثر من مرة، لم تكن تجسد سوى تلك النظرات المليئة بالأمل للتطرق إلى المنعطفات والأحداث غير المتوقعة للبلد، كما تجسد أيضا تلك الرغبات غير القابلة للاختزال من أجل حياة أفضل: "نريد أن تحدث الأشياء الآن"، "يا التشيلي، لا تنم بعد الآن"، "لا تجعل امتيازك يأكل من تعاطفك أو إنسانيتك، ولكن أيقظ روح العدالة فيك"، أو الملصق الشعري الذي كانت تحمله ابنتي، التي لا تزال تلميذة مراهقة: "ما هو جوهري وأساسي لا تراه عيون الدولة". بشكل عام، بالنسبة إلى الأشخاص الذين استيقظوا من الإهانة والإذلال الذي كانوا يتخبطون فيه، كان الأمر عندهم يشبه التسلق نحو الحالة الداخلية لأرواحهم؛ غير أن هذا التسلق لا يكون بشكل فردي، بل بمعية الآخرين ذكورا أو إناثا، عن طريق اختلاط آلامهم المرتبطة بسنوات من التأجيل التاريخي، والعجز الذي عانوه بسبب الأمراض التي لا يمكن تفاديها، والمعاشات القليلة جدا التي تغضب حتى درجة الإحباط؛ والظلم الاجتماعي المتمثل في عدم الحصول على سكن لائق وتعليم جيد، الاحتقار المستمر، أو عدم الاحترام الموجود في العديد من منظمات الشغل. إن النموذج النيوليبرالي، الذي لا يعترف بالوجوه وبالأرواح وحتى بالكرامة، ليس له أي شيء شاعري أو مجازي في اندفعاته عند إضفاء الطابع المؤسسي على الاختلالات. إن مربط الفرس هنا، إذن، هو استحضارنا دائمًا للذاكرة الجميلة التي نمتلكها كأشخاص متضامنين، ولا نموت داخل أنفسنا بطريقة دنيئة أو فارغة؛ ولكن أيضا، بالطبع، المطالبة بالمسؤوليات السياسية والقضائية عن كل هذه المأساة الواقعة. في هذا السياق، فإن الخروج إلى الشوارع، بطريقة حيوية للغاية، لا يعتبر بمثابة أفعال غير منظمة –كما يريدون إيصاله لنا أو جعلنا نعتقد ذلك؛ بل يعتبر بمثابة الصيحة الواعية، في عالم الواقع المعقد وعالم الرغبة الاجتماعية، لتحقيق الأحلام والوعود عن طريق حب الوجود كعشق الأشياء والحياة الجديدة. بمعنى دفن كل إساءة أو تجاوز، وكل عوز وكل اختلال في مجتمعنا. في هذه الأيام التي تصادفنا من خلالها على أن نرى بالتحديد ما يلي: مظاهرات وأحلام،... من الجدير بالذكر أن نستحضر - وباحترام - سؤالا طرحه أحد الأصدقاء المنحدر من الجنوب – المسمى ب"شاعر الشوارع"- عندما كتب حول هذه الأحداث: "إلى أين ستذهب الكرامة عندما يتم نسيانها؟". *أستاذ اللغة الإسبانية ودكتور متخصص في الديداكتيك