لازال الأداء نقداً يُهيمن بشكل كبير على المعاملات اليومية في المغرب، في وقت تمكنت الدول الصاعدة من تحقيق طموحها إلى تقليل استخدام النقد بشكل كبير، وبالتالي التأثير إيجاباً على الاقتصاد ككل. ورغم أن المنظومة الخاصة بالأداء عبر الهاتف أصبحت مهيأة بالكامل في المغرب منذ مدة بفضل تضافر جهود مختلف الهيئات والمؤسسات المعنية، إلا أن انطلاقتها على أرض لازالت متعثرةً، وهو ما يفرض على الحكومة التدارك بتشجيع المعنيين على الانخراط، وخصوصاً التجار. والأداء عبر الهاتف هو وسيلة أداء جديدة في حياة المغاربة، وهم بالكاد يتشجعون للأداء عبر البطاقة البنكية. وطبيعي أن يكون الإقبال على الأداء عبر الهاتف في أول الأمر ضعيفاً، وبذلك يكون تعميمه تحدياً حقيقياً، خصوصاً أن نسبة هامة من المغاربة يعتبرون "الكاش" وسيلة آمنة للأداء، ولو كان الأمر غير صحيح تماماً. ويعمل المغرب منذ سنوات على تشجيع استخدام آليات الدفع الإلكترونية لتقليل التداول النقدي وتعزيز الإدماج المالي، أو الشمول المالي، والذي يعني تَمكن الأفراد والشركات من الوصول إلى منتجات وخدمات مالية بأسعار ميسرة تلبي احتياجاتهم، من قبيل المعاملات البنكية والأداء والادخار والائتمان والتأمين. ولتحقيق ذلك، انكب بنك المغرب بتعاون مع الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات والبنوك والفاعلين الاتصالاتيين منذ سنتين على توفير حل الأداء عبر الهاتف على الصعيد الوطني وبأقل تكلفة، لكي ينخرط الجميع. ووفق دراسات رسمية أُجريت في هذا الصدد، يتوقع أن يهيمن الأداء عبر الهاتف/ في أفق خمس سنوات على 15 في المائة من التدفقات النقدية التي تتأتى أساساً من الأداء لدى تُجار القرب والتحويلات المحلية، وأداء الفواتير وبطاقات التعبئة الهاتفية، وأداء التجار لمورديهم. الأداء عبر الهاتف والإدماج المالي يُمكن استعمال هذه الوسيلة على حساب مفتوح مسبقاً لدى مؤسسة أداء أو مؤسسة بنكية، وتتيح تنفيذ العديد من العمليات بشكل إلكتروني ولامادي ولحظي، أهمها تحويل الأموال من شخص إلى آخر، وعمليات الأداء لفائدة التجار وسحب أو إيداع الأموال والشراء من المحلات التجارية وشراء تعبئات الهاتف وأداء الفواتير والأداء لفائدة الموردين. لإنجاز هذه العمليات، يجب على صاحب وسيلة الأداء إدخال رقم هاتف المستفيد الذي يجب أن يمتلك هو الآخر هذه الوسيلة؛ وذلك بصرف النظر عن المؤسسة الماسكة لحساب المستفيد، أي إن خدمة interopérabilité متوفرة منذ البداية. ويُراد من اعتماد الأداء بواسطة الهاتف النقال على المدى المتوسط والطويل تطوير الاقتصاد الرقمي والتقاط المؤسسات البنكية لجزء أكبر من السيولة النقدية، وتقليص التكاليف التشغيلية لتدبير النقود؛ ناهيك عن إلغاء التعامل المادي ورقمنة الأداء والتخفيف من التكاليف الإدارية، وتطوير أنظمة الدعم المباشر للمواطنين. ويجمع كثيرون على أن الأداء عبر الهاتف كان وسيلةً مهمة ومركزية في الإدماج المالي في عدد من البلدان، إذ حققت مستويات عالية من الإقبال من طرف المواطنين، وكانت بذلك حافزاً رئيسياً للوصول إلى الخدمات المالية المختلفة بالنسبة لفئة كبيرة من السكان. ويُمكن إرجاع عوامل نجاح هذا النموذج في عدد من البلدان إلى ملاءمته مع عادات المستهلكين، خصوصاً الأسر ذات الدخل المنخفض، وبفضل المرونة التي يوفرها مقارنة بالبنوك، إذ تُتيح شبكتها الواسعة من الوُكلاء تنفيذ عمليات المواطنين بكل سهولة. وبالإضافة إلى ما سبق، يتميز هذا الأداء بالبساطة وبالتالي سهولة استعماله حتى من طرف الأشخاص ذوي المعرفة القليلة بالمنتجات المالية، إذ يمكن استعماله باستخدام الهاتف المحمول كدعامة. واليوم أصبح الكل يتوفر على هاتف محمول بغض النظر عن الوضعية الاجتماعية. أما العنصر الأساسي في هذه الوسيلة هو تنافسية أسعارها، فهي تقل بكثير عن أسعار الخدمات المصرفية التقليدية؛ وقد عمل البنك المركزي المغربي على أن تكون أسعارها أقل ما يمكن لتشجيع انخراط الجميع فيها. تحفيز وإجراءات لكن، رغم كل ما تم اتخاذه بخصوص الأداء عبر الهاتف والتأكيد على منافعه على المواطن والبلاد، لازالت هذه المنظومة في المغرب غير مكتملة، ما لم ينخرط التجار فيها، إذ تفيد معطيات رسمية حصلت عليها هسبريس بأن غالبية هؤلاء، وخصوصاً الصغار، لم يبدوا أي اهتمام بالأمر. ويبقى انخراط التجار الصغار مهما لأن نسبة من التعامل النقدي تتم لديهم من طرف المواطنين، فشبكة تجارة القرب واسعة جداً ومعها يتعامل المواطن بشكل يومي، ما يعني أن نجاح المهمة رهين بشكل كبير بها. مقابل ذلك، بدأ الفاعلون التجاريون الكبار في الانضمام إلى المنظومة لدى بعض مؤسسات الأداء لإدماج هذا الأداء ضمن معاملاتهم؛ لكن الانخراط الجماعي لمختلف المعنيين بالأمر لازال غائباً، وهو ما يتطلب اتخاذ عدد من التدابير، سواء من طرف مؤسسات الأداء أو الحكومة. ويمكن تفهم تخوف أو تحفظات المستخدمين تجاه هذا الأداء الجديد. وللنجاح في هذا التحدي قام بنك المغرب بدراسة مقارنة لمعرفة نوع التدابير التي اتخذتها بلدان أخرى في هذا الصدد، خلصت إلى سبعة تدابير أساسية بعث بها إلى الحكومة، خصوصاً وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الصناعة والتجارة. أول هذه التدابير هو إلزام الدفع الإلكتروني للأجور والمعاملات المماثلة الأخرى، وإلزامية الدفع الإلكتروني للضمان الاجتماعي والتقاعد وتعويض تكاليف النفقات الطبية؛ ناهيك عن تحديد عتبة للأداء نقداً للمستهلكين، أي تحديد حد للمعاملة المالية التي لا يسمح فوقها بالأداء نقداً. وبالإضافة إلى ما سبق، خلصت الدراسة التي قام بها بنك المغرب أيضاً إلى ضرورة وضع تحفيزات ضريبية للمستهلكين من خلال تحديد نسبة للضريبة على القيمة المضافة على الأداء الإلكتروني، أو فرض ضرائب على الأداء نقداً. وبالنسبة للتجار، يتوجب حسب الدراسة اعتماد تحفيزات ضريبية لصالحهم، وإحداث نظام لليانصيب الوطني مدعوم بأرقام المعاملات عبر الهاتف لتشجيع المستهلكين على الإقبال على هذه الوسيلة، إضافة إلى تزويدهم بآليات الدفع عبر الهاتف TPE Mobile من قبل القطاعات الحكومية المعنية. أرقام مؤسسات الأداء تفُيد معطيات رسمية تحصلت عليها هسبريس بأنه إلى حدود بداية أكتوبر الجاري نجحت 18 مؤسسة، منها عشر مؤسسات أداء، إضافة إلى البنوك، في اختبارات الاندماج والمصادقة، وتسع اليوم تقبل الأداء عبر الهاتف على مستوى التجار، إضافة إلى التحويلات من شخص إلى آخر. ومن بين 18 مؤسسة، أطلقت تسع عروضها بخصوص الأداء عبر الهاتف. وإلى حدود السابع من شهر أكتوبر الجاري بلغ عدد الحسابات الخاصة بهذه الوسيلة حوالي 381.160، قامت بعدد من العمليات لازال ضعيفاً جداً. ويُعزى هذا الضعف أساساً إلى الانطلاقة غير الفعالة لمؤسسات الأداء المصرح بها، والتي مازالت تعمل على إنهاء هياكلها (من الموارد البشرية وشبكة الوكلاء والتسعيرة والعرض)، إضافة إلى ضُعف شبكة قبول هذه الوسيلة الجديدة، خصوصاً لدى التجار. ويبقى انخراط التجار بكل فئاتهم في هذا المشروع ضرورياً وحاسماً لنجاح هذه المنظومة الرقمية بشكل كامل وشامل، وهذا الأمر يتطلب بذل جهود توعوية لدى هذه الفئة لقبول الأداء عبر الهاتف كوسيلة للأداء والتحويل. وفي انتظار إجراءات تحفيزية وتشجيعية للإقبال على استعمال الأداء عبر الهاتف، وضع بنك المغرب في بادئ الأمر عدداً من التدابير اللازمة لنجاح المهمة، أولها تسقيف رسوم التبادل في 0.5 في المائة كحد أقصى من مبلغ المعاملة، وفق القرار التنظيمي رقم 392/W/18 المتعلقة بالأداء عبر الهاتف محلياً. واقترح بنك المغرب مجموعة من التدابير والتحفيزات الخاصة بالضرائب على الحكومة، من بينها تشجيع التحول من النقد إلى الأداء عبر الهاتف؛ وقد تم ذلك عبر إلغاء رسوم التمبر على النقد ضمن قانون مالية 2019. كما اقترح بنك المغرب على الحكومة تشجيع الدفع الإلكتروني من خلال تطبيق معدل ضريبة على القيمة المضافة خاصة بالمنتجات الخاضعة لهذه الضريبة، والتي يتم أداؤها عبر الدفع الإلكتروني، إضافة إلى اعتماد ضريبة خاصة على التجار الذين يقبلون الأداء الإلكتروني. وبالإضافة إلى ما سبق، وضع البنك المركزي إستراتيجية للتواصل بهدف تأكيد مصداقية وسيلة الدفع الجديدة ليثق الجمهور في استخدامها، سيتم إطلاقها قريباً، والهدف منها جعل الفكرة معروفة على نطاق واسع، وتثقيف عامة الناس حول مفهوم الدفع بواسطة الهاتف النقال. ودعم البنك مختلف الإجراءات سالفة الذكر بإنشاء هيئة حكامة خاصة بالأداء عبر الهاتف، وإنشاء مجموعة عمل خاصة بها في إطار تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي التي يُراد منها تسهيل الولوج إلى الخدمات المالية من طرف جميع المغاربة.