إقالة بثوب الاستقالة تلك التي قدمها صلاح الدين مزوار نهاية الأسبوع من رئاسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، عقب البيان الحاد الذي خرجت به وزارة الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج، والذي وصف تصريحاته الأخيرة حول ما يقع بالجزائر من أحداث، في مداخلته في أشغال النسخة الثانية عشرة للندوة الدولية حول السياسات، ب"السلوك الأرعن وغير المسؤول". ليس المهم هنا هو كيفية إنهاء مزوار مهامه على رأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إقالة مبطنة أم استقالة، إلا أن الإشكال الجوهري هو عدم امتلاك الرجل والعديد من السياسيين المغاربة تلك القدرة التي تمكنهم من التموقع الصحيح في تصريحاتهم بين التصورات الشخصية الناتجة عن قراءاتهم الخاصة لبعض القضايا والأزمات، وبين صفاتهم المؤسساتية التي يجب أن تنسجم مع توجهات الدولة والمبادئ التي تحكم مواقفها تجاه الأحداث والأزمات الإقليمية والدولية. وتكمن خطورة عدم تقدير صلاح الدين مزوار للموقف وخلطه بين حساباته وتقديراته الشخصية لما يقع في الجزائر وبين صفته المؤسساتية في عدة نقاط أبرزها: أولا: موقف المملكة الثابت تجاه القضايا والأزمات الداخلية للدول المستقاة من قواعد القانون الدولي التي تتشبث بها، لاسيما مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام حسن الجوار. ثانيا: الصفة المؤسساتية سواء لصلاح الدين مزوار باعتباره رئيسا للاتحاد العام لمقاولات المغرب، والذي أضحى مؤسسة فاعلة بشكل كبير في السياسة الخارجية المغربية، وآلية من آليات الدبلوماسية الاقتصادية للمملكة، أو الصفة والطابع الهام للمنبر المؤسساتي الذي عبر من خلاله مزوار عن تصريحاته، لكون التظاهرة هي تظاهرة عالمية يحضرها خبراء سياسة واقتصاد من بلدان متنوعة، وتحظى بالرعاية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس. ثالثا: الطبيعة المتشنجة للعلاقات المغربية الجزائرية، خاصة في ظل المواقف المتباينة حول النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وما كان من الممكن لهذه التصريحات أن تفتحه من تأويلات، خاصة أن الظرفية الحالية لا تسمح بأي تصعيد، بصرف النظر عما يقع بالجزائر، نظرا لبروز دعوات من الجانبين من أجل فتح الحدود البرية. وقد تحدثت الصحافة الجزائرية مؤخرا عن استفسار مسؤولين من مستوى رفيع لخبراء أكاديميين جزائريين حول فتح الحدود مع المغرب وما يمكن تحقيقه في ظل هذه الخطوة. وما يعزز هذا الطرح هو الإقالة السابقة لرئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني من منصبه في الحكومة السابقة كوزير للخارجية في التعديل الحكومي الذي أعقب خروج حزب الاستقلال من الحكومة، بعد عدد من الهفوات التي ارتكبها الرجل، والتي كانت ناجمة عن سوء تقدير للموقف والخلط بين المواقف الشخصية المبنية على التقديرات الخاصة والانتماء الإيديولوجي، وبين الصفة المؤسساتية التي تقتضي تماهي فكر المسؤول مع توجهات الدولة، أولها حينما دعا –وهو ذو الأصول الأمازيغية- في ندوة أقيمت بالناظور سنة 2011 إلى تطبيق نظام الحكم الذاتي على منطقة الريف شمال المغرب، إذ قال: "إذا كان ينبغي تطبيق نظام الحكم الذاتي بالمغرب فيجب تطبيقه بأقاليم الصحراء زيادة على منطقة الريف"؛ إضافة إلى زلة اللسان خلال المؤتمر الوزاري لاتحاد دول المغرب العربي، الذي انعقد بالرباط، حيث طالب العثماني بإسقاط لفظ "العربي" من تسمية اتحاد دول المغرب العربي، معتبراً أنه لا ينسجم والبناء الهوياتي لبلدان المنطقة؛ وهذا مع موقفه الشخصي من الأزمة المصرية، والذي عبر فيه عن رفضه للانقلاب على مرسي من طرف السيسي. ما يمكن استخلاصه من هذه الواقعة وغيرها من الوقائع المشابهة لها هو تدني مستوى إلمام بعض المسؤولين المغاربة، خاصة السياسيون، بالأسس والمرتكزات التي تنبني عليها السياسة الخارجية المغربية، والمبادئ الكبرى التي تحكم تموقع المملكة من الأزمات الدولية، خاصة الداخلية منها. وهذا التدني لا ينعكس فقط على ضعف تصريحات السياسيين المغاربة، بل أيضا ينعكس على البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية المغربية في تناولها للسياسة الخارجية واختصارها في قضية الصحراء المغربية، في حين أن المملكة تجاوزت البعد السياسي في انفتاحها على دول العالم. *باحث في سلك الدكتوراه جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية بالمحمدية.