تشهد حاليا مدينة شفشاون، التي اشتهرت بالمغرب وخارجه بأسوارها الزرقاء النيلية، جدالا حول هويتها البصرية؛ فقد طفت على السطح آراء تعكس أذواقا متباينة حول طلاء واجهات المنازل، بين من يدعو إلى مواصلة استعمال اللون الأزرق ومن ينادي بالعودة إلى اللون الأبيض، دافعه في ذلك نوستالجيا تخلدها صور فتوغرافية وبطائق بريدية قديمة. ووسط الحيرة التي استبدت بسكان المدينة خلال هذا النقاش الذي نبع من العدم، اصطفت جل الآراء وراء اللون الأزرق النيلي للأسوار، وهو ما عبر عنه سكان المدينة ومثقفوها وفعالياتها وجمعياتها، سواء من خلال بلاغات صحافية أو عبر تدوينات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن اللون الأزرق في الأسوار والبني في القرميد صار صورة ملازمة لمدينة شفشاون اشتهرت بها وطنيا ودوليا، وساهمت في إنعاش السياحة والاقتصاد المحليين. بفضل الهوية الحالية لمدينة شفشاون استطاعت الجوهرة الزرقاء أن تصبح واحدة من أهم الوجهات السياحية في العالم، يحج إليها مشاهير من عالم الفن والأدب، كما صورت بها أغان وأعمال تلفزيونية وسينمائية وأفلام وثائقية، بينما زينت صور المدينة عددا من المجلات السياحية والدعائية. ويتذكر سكان شفشاون أنه على الأقل منذ 30 عاما، كانت واجهات المنازل بالمدينة العتيقة تطلى بالجير الأبيض مع تخفيف سطوعه بإضافة القليل من النيلة (زرقاء اللون)، حتى لا يعمي انعكاس الضوء على الحيطان البيضاء بصر السكان، الذين كانوا يحرصون على الاعتناء بالواجهات ونظافة الأزقة تماهيا مع الطبيعة الجبلية الخلابة للمدينة. وإذا كانت شفشاون قد اشتهرت في الأعوام الأخيرة بفضل لونها الأزرق النيلي، الذي منحها لقب "الجوهرة الزرقاء"، فإنها استطاعت بفضل مدينتها العتيقة ومؤهلاتها السياحية أن تصبح "علامة دولية" تستقطب على مدار العام الآلاف من الزوار المغاربة والأجانب، ما يحقق عائدا ماديا يساهم في إنعاش الحركة الاقتصادية، لتصبح بالتالي واحدة من الوجهات السياحية المغربية القليلة التي تتميز بطابعها غير الموسمي. وفي هذا الصدد، أبرزت المسرحية المتخصصة في السينوغرافيا والديكور والأزياء، رفيقة بنميمون، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "النقاش حول لون المدينة حضاري يجري بين طرفين القاسم المشترك بينهما حب شفشاونالمدينة"، معتبرة أن كلا الرأيين يتعين أن يحظيا بالتقدير، وهو نقاش يتعين أن يفتح في كافة مدن المغرب لمنحها هوية بصرية. وأوضحت رفيقة بنميمون، المقيمة حاليا بلبنان، أنه بحكم أسفارها وبحكم واحتكاكها مع الأجانب، تأكد لها أن "شفشاون لما تحولت إلى اللون الأزرق استفادت من هذه العلامة التجارية بشكل كبير"، موضحة أن هذا اللون كان له مفعول السحر على الأجانب، كما زاد شفشاون جمالا، وجعلها لا تقل رونقا عن أغلب مدن البحر الأبيض المتوسط باليونان أو بتونس. وأضافت المتحدثة، التي اشتغلت مديرة فنية في سلسلة "بنات للا منانة"، أن اللون الأزرق، من الناحية التقنية، ساهم في استقطاب تصوير العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية بالمدينة، موضحة أنه كان من السهل، على سبيل المثال، إقناع الطاقم التقني بتصوير جميع حلقات سلسلة "بنات للا منانة" بشفشاون، لأن اللون الأزرق يسهل عملية التصوير الخارجي في الأزقة والحارات مقارنة باللون الأبيض. وبالإضافة إلى الترويج الرقمي للمدينة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، زادت سلسلة "بنات للا منانة" مدينة شفشاون الزرقاء شهرة بين المغاربة، حيث سوقت لثقافة المدينة وفضاءاتها الشهيرة كالأزقة المتعرجة للمدينة العتيقة، ومنبع "رأس الماء"، وساحة "وطاء الحمام". من جانبه، حرص عامل إقليمشفشاون، محمد العلمي ودان، في لقاء تواصلي مع جمعيات المجتمع المدني بداية الأسبوع الجاري، على توضيح الغموض بتأكيد أن "لا أحد يحارب اللون الأزرق في طلاء واجهات المباني به، وأنه لا خلاف بين طلاء واجهات المدينة بالأبيض أو بالأزرق". واعتبر المسؤول ذاته أن "اللون الأبيض بالفعل جميل، وهو أصل لون المدينة، ولكن الزرقة زادته جمالا، خصوصا لما يمتزج اللونان معا"، لافتا إلى أن "بعض الأقواس التاريخية بالمدينة العتيقة لحقها تشوه بعد طلائها باللون الأزرق". في هذا السياق، شدد العامل على أنه "من الواجب الحفاظ على مآثر المدينة العتيقة، وصونها من أي مساس أو تشويه"، مستدركا أن هذه المآثر "تستقطب السياح الذين يأتون لزيارتها ومشاهدتها، وبذلك ينبغي أن تحافظ المآثر التاريخية على هويتها وأن لا يلحقها التشوه باللون الأزرق أو الأبيض، حيث يجب أن تبقى على طبيعتها". من جانبها، أصدرت جماعة شفشاون توضيحيا بخصوص الدعوة إلى طلاء كافة المباني باللون الأبيض، أكدت فيه أن "هذا اللون مخالف لميثاق الهندسة المعمارية للمدينة، الذي يضم مجموعة من الضوابط والتفاصيل المتعلقة بواجهات المنازل والبنايات المختلفة"، مضيفة أنه تم تخصيص بند للألوان التي يجب اعتمادها، حيث تم التنصيص على أن الواجهات يمكن صباغتها بالأبيض أو بالأزرق. بين اللونين الأبيض والأزرق، وجد أهالي شفشاون أنفسهم وسط نقاش تتواجه فيه الأذواق والرغبات في محاولة لترسيخ هوية بصرية جديدة لمدينة وصلت شهرتها الآفاق، بفضل تفردها بزرقة منازلها أندلسية الطراز.