الديمقراطية كانت وستبقى إحدى الوسائل الفعالة والملائمة التي تجعل مجتمعا ما يسعى ويصل إلى ضمان كرامة وازدهار وحرية الفرد والجماعة. وهي مرتبطة جد الارتباط بتطور وتحول ونضج الديمقراطية عند المواطنين ومن يؤطرونهم ومن يحكموهم. وهي كذلك تجد جذورها في أنماط آليات الإشتغال السيكولوجي والاجتماعي والثقافي لمجموع مختلف الأفراد والجماعات والطبقات التي تكون أمة دون أن ننسى الجوانب السلالية و العرقية. وفي هذا الاتجاه فإن انتخابات 25 نونبر الماضي وسياقها وظروف وكيفية إجرائها ونتائجها مناسبة خاطبت وتخاطب تفكير وأحاسيس كل مغربي نظرا لما اختزنته وأفرزته من عناصر ومعلومات جد مهمة بالنسبة لسير ومسيرة وصيرورة ديمقراطيتنا الفتية. لم تكن البرودة الظاهرة للحملة الانتخابية إلا الجانب المرئي لذلك الجبل الجليدي: الفوز بالأغلبية أو المحافظة عليها من أجل الوصول إلى سدة الحكم. وقد لجأ المتبارزون إلى كل الوسائل التي تستعمل في هذا النوع من النزال والمعارك. إذا كان حزم الإدارة وحيادها الإيجابي مع محاربة كل من يمس بنزاهة الانتخابات قد أنقص بشكل كبير شراء الأصوات. إذا كان استعمال الوسائل السمعية البصرية من طرف الأحزاب ومرشحيهم وبعض المواطنين وذلك بسهولة وبما فيه الكفاية وكذلك الاستعمال بكثرة لطرق التواصل الاجتماعي خصوصا الانترنيت قد أعطى لهذه الحملة نكهة خاصة في محاولة الحصول على ثقة وتفهم وتعاطف الناخبين. فإن التصويت، ذلك السلوك الإنساني، المتعدد الوجوه والجوانب، قد استمد، وفي غالب الأحيان، حوافزه في الآليات السيكولوجية الاجتماعية الاقتصادية الشعورية واللاشعورية التي تدير وتتحكم في دينامية مجتمعنا المغربي زيادة إلى الإشارات التي يرسلها الواقع المعاش لكل مواطن. وهكذا يمكن القول أنه ليس منطقيا أن نختزل ونجزم أن التصويت كان تصويتا عقابيا للسياسات المتبعة من قبل، أو تصويتا حزبيا نظرا أن هناك من صوت على الحزب دون أن يعرف مرشحه وحتى برنامجه. وهذا ما حصل خصوصا في بعض المدن الكبرى. فرغم أن هناك اهتمام متزايد بالفعل السياسي وإحساس متنام لضرورة إبداء الرأي لدى المواطن ومشاركته في العملية السياسية، فإنه يبدوا أن هناك ثلاثة متغيرات أثرت ودعمت سلوكيات المواطنين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع. وهذه المتغيرات هي: المركز الاجتماعي للمرشح، الإحساس بالانتماء، وإسداء الخدمات عن قرب. هناك عامل مشترك يربط هذه المتغيرات ألا وهو التصور الرمزي الشعوري واللاشعوري في أفئدة كثير من الناخبين فيما يخص وضع البرلماني، وظيفته ودوره. وهكذا ورغم تفاوت المستويات الثقافية والمعرفية والاقتصادية والاجتماعية عند الناخبين، فكثيرا منهم مازالوا ينظرون إلى البرلماني كتلك الأداة التي يمكن أن تصلح كثيرا من الأشياء وكذلك ذلك الشخص المقرب من دائرة القرار والذي يمكن الذهاب إليه في أي وقت لتلبية غايات ومتطلبات حيه، مدينته، قبيلته إن لم أقل كذلك عشيرة حزبه. وهكذا كثيرا ما يختلط دور البرلماني مع دور المستشار الجماعي أو الجهوي. وهذا الاختلاط يكون تحديا كبيرا للمرشح الذي يسعد بفوزه بمقعد في البرلمان. فهذا الأخير يجب أن يكون منتجا وكثير العطاء على المستوى التشريعي كان في الأغلبية أو المعارضة. وفي نفس الوقت يتحتم عليه أخد المبادرة والتضحية والتفاني وكذلك بذل المجهود الذي يتطلبه إرضاء طلبات وانتظارات من صوتوا عليه وثاقوا في وعوده الانتخابية. وهذا الاشتغال عن قرب وإسداء الخدمات العاجلة للمواطنين تطرح كذلك وبحدة على الحكومة المنبثقة من هذه الانتخابات. وهذا العمل ليس أقل أهمية من القيام وتنفيذ الورشات والإصلاحات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والسبب في ذلك أن المغرب يعرف دينامية سيكولوجية اجتماعية ثقافية تهم الشأن السياسي والشأن العمومي. والمغربي من كل المستويات ومن كل الاتجاه لم يعطي من الاهتمام أكثر ما يعطيه هذه الأيام لتشكيل الحكومة الجديدة. فهو في انتظار طلائع وبوادر التغيير المرتقب الذي يمكن أن يجيب على انتظاراته ومطالبه والمكتسبات التي يخولها الدستور الجديد. ولا شك أن وسائل الإعلام العمومية والحزبية والمستقلة قد لعبت وتلعب دورا مهما في عودة المواطنين إلى الاهتمام بما يروج في الفضاء السياسي والاجتماعي المغربي. فالحكومة الجديدة، مع اختلاف أطيافها المكونة لها، لا شك أنها في تناسقها وتفانيها ستكون في الموعد : موعد التواصل، والشفافية والعمل الدؤوب ونكران الذات والحصول على النتيجة الإيجابية من حيث المردودية. فالحكومة والحكامة الجيدتان هي التي تحمل السياسة مهمة و مسؤولية واجب إسعاد وسمو الفرد وازدهاره في محيطه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. والحكومة الجيدة هي التي تؤكد ذاتها في مجتمعها وليس في أغلبيتها. ما هي أصوات المعارضة إن لم تكن ملتصقة بكل ما يخدم الصالح العام ؟ لا شك أن المعارضة الحالية بتعدد أطيافها، وعدد نوابها، وحماسها وتنافسيتها، ستوقف الأغلبية الحكومية في عديد من المحطات لمساءلتها ونقدها ولما لا تغيير مسار قطارها. وهذا شيء إيجابي لأن الحكومة ستضطر إلى تزويد محركات قاطراتها بالمزيد من الوقود وليس الوعود وذلك خدمة لمجموع الشعب المغربي. إذن هناك طلائع بداية غيث ديمقراطي سيزهر البلاد وسيسعد العباد إذا الخدمات كانت مستمرة، جيدة، قريبة من جميع المواطنين. وإذا كان العمل ذؤوبا من أجل بناء متين. وإذا كانت اليقظة والحكامة الجيدة في كل وقت وحين مع نزول أمطار الخير عاجلا بمشيئة القادر القدير المعين. Gouverner, c'est toujours servir, mieux construire, à tout instant prévenir, et....mieux pleuvoir espérons ceci dans les jours à venir. مقال كتب يوم 29 دجنبر 2011.