"الحق في الرحيل" هو عنوان رواية الكاتبة والشاعرة المغربية فاتحة مرشيد، والتي تطرقت فيها إلى الموت الرحيم، وكانت بذلك السباقة إلى الحديث عن هذا الموضوع في إبداع عربي، من خلال قصة حب بين كاتب سري مغربي وشيف مغربية في لندن. ومن المعلوم أن القتل الرحيم خلق جدلا عالميا ووطنيا بين مؤيد لهذه الفكرة ومعارض لها؛ فالذين يؤيدونها يرون أنها تحد من معاناة المرضى وتنهيها وتحد من معاناة أسرته وأحبائه، والذين يعارضونها يرون أنها تخالف الدين وتتنافى مع ما جاءت به منظمات حقوق الإنسان، إذ تنتهك "حق الحياة" والذي يعد أسمى الحقوق؛ لكن ألا يعد الموت بكرامة حقا أيضا؟ هذا السؤال يلخص توجه بعض الدول الغربية، مثل بلجيكا التي لا تجرم ولا تحرم تطبيق القتل الرحيم على كل من أنهكه الألم وفتك بجسده؛ لكن الوضع يختلف في العالم العربي، الذي تحكمه النصوص الدينية، بدءا من القرآن الكريم إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ يقول الله تعالى في سورة الأنعام: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون"، ويقول أيضا في النساء: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا". في هذه الآيات تحريم للقتل، وهذا ما يؤكده العديد من علماء الدين في فتاويهم، إذ يقول الشيخ جاد الحق في السياق نفسه "إن الموت من فعل الله تعالى... وقتل النفس حرام إلا بالحق، وإنَّ قتل الرحمة ليس من الحق، إنما من المحرم قطعًا بالنصوص الشرعية". ليس فقط علماء الدين من يعارضون القتل الرحيم لأن فيه إيذاء للنفس البشرية؛ بل أيضا الحقوقيون. ويرى لاركو بوبكر، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أنه "هذا نقاش فلسفي وأخلاقي مهم جدا، وليس هناك إجماع دولي في هذا الصدد. وإذا نظرنا إلى الدول الأوروبية؛ فهناك بعض الدول القليلة التي يطبق فيها هذا الإجراء، وكذلك الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والطرق أيضا تختلف فهناك من يستعمل حقنة لإنهاء الحياة وهناك من يتوقف عن تعاطي الأدوية". وأكد أنه "من الناحية الحقوقية، فالنقاش لا يزال مستمرا في هذا الصدد، لذلك فهو ممنوع.. والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بما أنها تؤمن بكونية حقوق الإنسان، ضد هذا الإجراء لغياب القناعات، وكذلك لكونها تتنافى مع الأخلاقيات الطبية والدينية". ويشدد الفاعل الحقوقي على منع هذا الإجراء لأنه "من الممكن أن تكون فيه غايات مبطنة، في نفس السياق نقول بأنه لا يجب أن تكون هناك عقوبات إعدام، لإمكانية أن يكون الحكم غير عادل، في هذه الحالة لا يمكن أن نسترد حياة شخص أعدم، في حال براءته. وبالتالي نفس الشيء ينطبق على القتل الرحيم، إذ يمكن أن ترغب العائلة في القتل الرحيم لغلاء المصاريف. وعلى الرغم من أن الأطباء هم من يقررون في هذا الموضوع لكن هناك تشكيك في هذه العملية لذلك من الصعب أن نقبل هذا الإجراء وإن كان فيه معاناة". رأي الأطباء لا يقل أهمية عن رجال الدين والحقوقيين، لأنهم قد يواجهون هذا الموقف بشكل مباشر، سواء مريض يطلب موتا رحيما، أو عائلة تود قتلا رحيما لفرد من عائلتها، رغبة في إنهاء معاناتهم. في هذا الإطار، سألنا الدكتور يوسف الخياطي، طبيب الجراحة العامة بالمستشفى الجهوي بتطوان، وأكد في معرض جوابه أنه "يجب مناقشة الموضوع من الجانب الطبي، إذ إن هناك حالات بعض الأمراض في فتراتها النهائية، التي ينعدم معها العلاج أو لا يبقى العلاج نافعا مثلا السرطانات المنتشرة في جميع الأعضاء، وخاصة الأعضاء الرئيسية في الجسم". يضيف بأن "بعض المراكز الطبية كانت سباقة في طرح هذا الموضوع، على أساس أن المريض يعاني حتى يصل إلى درجة كبيرة من الألم، جراء الأدوية المسكنة للألم مثل المورفين والتي تسبب الألم، في هذه الحالة يتعذب المريض أثناء تعاطي العلاج. هذه المرحلة هي التي طرحت مسألة الموت الرحيم؛ ولكنه أثار نقاشا بين الأطباء الذين مع الفكرة والآخرين ضد الفكرة على الصعيد العالمي، وبالتالي هناك أمثلة لبعض المراكز خصوصا في إيطاليا، مثل مركز الكنيسة الكاثوليكية، والتي هي الأخرى تؤثر فيها الحمولة الدينية، وبذلك أبقوا على بعض المرضى في الإنعاش لمدة تتجاوز العشر سنوات تفاديا للقتل الرحيم". ويتابع بأن "الدراسات ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ لا يطبق فقط على الأمراض السرطانية، بل يمكن تطبيقه على بعض الأمراض الأخرى كالتشوهات الخلقية، لكن بقي هذا الأمر بين مؤيد ومعارض". وأفاد بأن "الآن هناك الآراء المتفق عليها، والتي تتضمن اجتماع الأطباء الفقهاء والأطباء، والتي يخول لها إصدار قرارات من هذا القبيل، لأن هذا الموضوع طبي، اجتماعي، فكري وثقافي أيضا". ويضيف أنه "لا يمكن لنا كأطباء أن نأخذ قرارا بعيدا عن الجانب الديني، لذلك يجب أن يكون هناك رأي مشترك". وقد أعطى مثال الندوة الصحافية التي عقدت بخصوص "بعض الأدوية المفطرة في رمضان مثل قطرات الأذن والأنف والتي اعتبرت غير مفطرة لأنها غير مشبعة، وكذلك الحال بالنسبة للإفطار في رمضان بسبب بعض الأمراض المزمنة". وزاد الدكتور الخياطي قائلا: "خلال تجربة دامت 20 سنة في ميدان الطب، فإن بعض العائلات عندما تستعصي حالة المريض، ويتم استبعاد إمكانية التداوي خاصة بعض الأمراض السرطانية التي لا يمكن حلها بالعمليات الجراحية، يطلبون أخذ المريض إلى المنزل؛ وهو ما يشكل خطوة استباقية قبل أن يصل المريض إلى طلب هذا الإجراء". أما من الناحية القانونية، فالقتل الرحيم يجرم وفق مقتضيات القانون الجنائي حسب ما صرحت به إيمان المالكي، القاضية ومسؤولة التواصل بمحكمة النقض، فإن "المغرب لا يوافق على إجراء القتل الرحيم في حق المرضى، إذ لا يمكننا إيقاف حياة شخص ما بشكل إرادي؛ لأن توجهات المغرب لا تسير في منحى مؤيد كباقي الدول، لأنه يسمى بالقتل العمد، ويعاقب حسب مقتضيات قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي. كما أنه ليس هناك مقتضيات خاصة في هذا الإطار والتي تأخذ بعين الاعتبار هذا الإجراء، فضلا عن غياب مشروع قانون يؤطر الحيثيات الطبية. بالإضافة إلى أن المرجعية الإسلامية واضحة في هذا الإطار، لأن هذا لا يتواجد في القانون وفي الشريعة أيضا، والقتل يظل قتلا". *صحافية متدربة