في لحظات المرض والألم لا يجد المرء أمامه إلا زيارة الطبيب لمداواة ألمه والإجابة على الأسئلة التي تختلج أعماقه، وكذا وضع حد للخوف الذي ينتعش على المجهول. تشخيص المرض أول طريق في العلاج، لكن يحدث أحيانا أن يحول التشخيص الخاطئ حياة المريض إلى جحيم لا يطاق، حيث تختلط لديه المشاعر، يعيش لحظات المأساة ويبكي دما جراء المرض المفاجئ الذي ألم به على حين غرة. هذه باختصار كانت ملامح قصة أسماء وهي شابة في الثالثة والعشرين من العمر، دخلت عيادة طبيبة نسائية بعد مغص في بطنها فخرجت وهي تكفكك دموع الحيرة والحزن وعلامات الاستفهام الكثيرة تلاحقها. تحكي «أسماء» قصتها ل « التجديد» وابتسامة شاحبة، تقول إن الطبيبة أبلغتها أنها حامل، وأنها تعاني من أكياس على مستوى الرحم بالإضافة إلى مرض الكلي .. لم تستوعب» أسماء» التشخيص فكيف لها أن تكون حاملا «ولم يمسسها إنس ولا جان» كانت الصدمة قوية جدا ومدهشة ومضحكة في نفس الآن «متأكدة أنني لست حاملا لكني أصبت بالرعب بسبب ذلك التشخيص المرعب الذي كشف جميع تلك الأمراض التي اتهمت الطبيبة جسدي بالإصابة بها». مأساة حقيقية عاشتها «أسماء» لساعات تعتبرها شهورا، حملت ألمها إلى بيتها لتسر به إلى والدتها وهي تبكي ما قالته الطبيبة، فكان أن أخذتها هذه الأخيرة بسرعة والألم يعتصر قلب أم لم تفهم أن تكون ابنتها العازبة حاملا إلى طبيب آخر لإعادة التشخيص لتصاب الأسرة بصدمة ثانية.. فالتشخيص أتبث أنها ليست حاملا طبعا، ولا تعاني من أي مرض، وأن ما تشعر به نتيجة ضربة برد فقط. وذكرت «نعيمة» في هذا السياق أنها تعرضت لنفس المأساة حين تم تشخيص الحالة التي كانت تعاني منها بقرحة المعدة بعدما اشتكت من التقيؤ وبعض الآلام بالبطن، ووصفت لها بعض الأدوية للعلاج. وبأسف تضيف «نعيمة» أنها وبسبب الأدوية التي تناولتها فقدت الجنين الذي طالما حلمت بحمله بين أحشائه واتضح فيما بعد أن الآلام التي كانت تعاني منها سببها الحمل. أخطاء التشخيص الطبي، مأساة يروح ضحيتها في صمت الكثير من المرضى مما يدفع معظمهم إلى عيادة أكثر من طبيب للحسم في طبيعة المرض الذي يعانون منه، بل صارت أحيانا مسألة إلزامية رغم ما لها من انعكاسات نفسية ومادية على المريض. ماهية التشخيص التشخيص الطبي حسب الموسوعة الطبية(ويكيبيديا) هو الطريقة التي يتوصل بها الطبيب إلى معرفة المرض الكامن وراء الأعراض الظاهرة على المريض، وهو الخطوة الأولى في علاج أي مرض، إذ أن معرفة إسم المرض وفهم التفسير الوظيفي للمرض هو الأساس الذي يترتب عليه إيجاد العلاج المناسب، ويبدأ التشخيص باستقراء السيرة المرضية حيث يعمد الطبيب إلى تحديد شكوى المريض، وجمع أعراض المرض التي يشكو منها، ثم يعمد من خلال توجيه أسئلة معينة إلى حصر خيارات المرض المحتملة إلى مجموعة خيارات تدعى بالتشخيصات التفريقية، بعد ذلك يعمد الطبيب إلى إجراء الفحص السريري ومن ثم القيام أو طلب إجراء فحوصات طبية هادفة مختلفة مثل مجموعة منتقاة من فحوصات الدم، فحوصات تصويرية مثل صور الأشعة السينية، تصوير طبقي محوسب أو عمليات التنظير الطبي أو القثطرة الشريانية. الخ، وذلك للحصول على معلومات إضافية (نتائج الفحوصات)، والتي تساعده في التوصل إلى حقيقة المرض، وتشخيصه. قد يلجأ الطبيب إلى الفحص السريري أو الفحص البدني، وهو الفحص الذي يجريه الطبيب للمريض مستخدما قوة الملاحظة وحواسه، كما قد يستعين بمعدات بسيطة للفحص على سرير المرض مثل السماعة الطبية، ولكن بدون استخدام الوسائل الحديثة والمعقدة للتشخيص كالأشعة والفحوصات المخبرية أو التصويرية وما شابهها، فيما تحتاج بعض الأمراض إلى تنظيرات باطنية بواسطة آلات الفحص بالصدى، الكشف بالأشعة أو الراديو الميغناطيسي. كفاءة الطبيب حمل الدكتور مصطفى الإبراهيمي (طبيب جراح بوجدة)، مسؤولية أخطاء التشخيص الطبي إلى كفاءة الطبيب بشكل مباشر، موضحا في حديثه ل»التجديد» أن كفاءة الطبيب تلعب دورا كبيرا في التشخيص الأولي، إلا أن بعض الأمراض الباطنية تحتاج بشكل كبير إلى الفحص بآليات محددة أحيانا قد لا تتواجد حتى لدى الأطباء الذين يعملون بالصحة العمومية خاصة بالمناطق النائية التي لا يتوفر فيها الطبيب إلا على السماعة الطبية، و آلة قياس ضغط الدم، فكيف يمكن محاسبة هؤلاء مع أنهم لا يتوفرون على وسائل التشخيص فهنا الطبيب يتحمل مسؤولية وسائل، وليس مسؤولية نتيجة. من جهة أخرى، توقف الدكتور الإبراهيمي عند حالات السيدات الحوامل مؤكدا أنه من البديهي أن يراعي الطبيب خلال تشخيص مرض أي امرأة مسألة الحمل من خلال طرح بعض الأسئلة حول وضعها وخاصة أن علامات الحمل معروفة، وبقليل من الأسئلة يستطيع الطبيب الكفء معرفة الأمر لتجنب الأدوية التي قد تؤدي إلى مفعول سلبي جراء الحمل. ويضيف الدكتور الإبراهيمي أنه في بعض الأحيان تكون الإمكانيات المادية للمريض متواضعة، فيرفض الكشف بالأشعة أو الراديو الميغناطيسي لعدم توفره على 3000 أو 4000 درهم قيمة ذلك الكشف مما يضطر معه بعض الأطباء إلى وصف الأدوية بناء على استنتاجاتهم الشخصية هو ما يطرح سؤال الكفاءة مرة أخرى، فقد تكون استنتاجات الطبيب مخطئة وبالتالي يصير العلاج الذي وصفه ذلك الطبيب سببا لأمراض أخرى ستضاف إلى ما يعانيه المريض، وهو ما يستوجب-يشدد الدكتور الإبراهيمي- الحذر والصرامة مع المرضى من أجل دفعهم إلى الكشف بتلك الأشعة -مهما كانت الإمكانيات محدودة- حتى يعرف الداء الحيقيقي بعيدا عن أي منزلقات قد يقع فيها الطبيب المعالج. وعن المسؤولية القانونية للطبيب المخطئ، أشار الدكتور الإبراهيمي إلى إمكانية لجوء المرضى «الضحايا» إلى هيئة الأطباء التي يعد من خصوصياتها حماية المريض من بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الأطباء من خلال تعيين هيئة طبية تتخصص في النظر في مسؤولية الطبيب عن الخطأ الذي قد يدعيه المرضى، ومن شأن التقرير الذي تعينه هذه الهيئة أن يسير في اتجاه التشطيب على الطبيب من هيئة الأطباء في حال ثبت الخطأ بشكل جلي، كما لهم أن يلجؤوا إلى المحاكم لكن بالنسبة للخطأ الطبي الذي يستوجب التشطيب فيجب توفر شروط معينة، بأن يترتب عن هذا الخطأ ضرر، وأن تكون هناك علاقة بين الضرر والخطأ، مشيرا إلى الفراغ الذي يعاني منه التشريع المغربي في هذا الإطار على اعتبار أن النصوص التي يتم الاعتماد عليها لمساءلة الأطباء»المخطئين» متناثرة ولا يوجد قانون خاص يحمي المريض من أخطاء الطبيب ويحمي الطبيب من ادعاءات بعض المرضى. التشخيص الخطأ والخطأ المهني أكد ذ.توفيق مساعف، المحامي بهيئة الرباط أن المهام المنوطة بالطبيب تختلف وتتنوع حسب التخصص المهني الذي يزاوله إلا أن مهمة التشخيص المرضي والعلاج تبقى وظيفة مشتركة بين جل الأطباء الممارسين سواء في القطاع الخاص والمرفق العمومي، مضيفا في حديث مع «التجديد» أن الطبيب مقيد أثناء مزاولته المهنية بالقانون الإطار المنظم لمهنة الطب والقانون الداخلي لهيئة الأطباء ثم للمنظومة الأخلاقية والتقاليد والعادات العتيدة، وكل مخالفة في عمله وسلوكه المهني، سيعرضه للمساءلة التأديبية من طرف نقابته المهنية وكذا للمساءلة الجنائية أمام القضاء. إن الطبيب ملزم باتخاذ كافة التدابير أثناء مباشرة مهمة التشخيص لنوعية وطبيعة ودرجة ومالية الضرر أو المرض الذي يعاني منه المفحوص، وذلك بإعمال المتعين طبيا في بذل العناية الكاملة عند الفحص السريري واستجواب ومقابلة المريض وإجراء كافة الفحوصات الضرورية لكشف المرض كالتحاليل الطبية والفحص بالأشعة.. مع اتخاذ الحيطة والحذر والتبصر وعدم الإهمال والتخلي بالدقة في الملاحظات، حتى يتسنى له التشخيص الصحيح والسليم للمرض الذي يعاني منه المفحوص، وتحديده على سبيل الحصر وبشكل يقيني وغير قابل للشك. وفي هذا السياق، أوضح «مساعف» أن التشخيص الصحيح يؤدي إلى سلوك التدابير العلاجية المطلوبة والوصول إلى معالجة المريض، وبالتالي يكون الطبيب قد أدى الوظيفة المنوطة به على الوجه السليم والقانوني، في حين إذا ما كان التشخيص غير صحيح، بالنظر إلى عدم كفاءة الطبيب أو تسرعه وإهماله إعمال التدابير اللازمة عند الفحص السرير وعدم بذل العناية الكاملة فإن التشخيص الذي خلص إليه الطبيب يكون مشوبا بالخطأ لعدم التبصر ومخالفة النظم والقوانين الجاري بها العمل، وبالتالي سيلحق ضررا بليغا بالمريض سواء كانت النتيجة إيجابية أو سلبية، لأنه في الحالة الأولى فإنه يوهم المفحوص بأنه مصاب بمرض معين قد يكون خطيرا فيتسبب في إرهابه واكتئابه، وربما دفعه إلى سلوك جنائي معين كالانتحار أو المرض العقلي أو النفسي أو اضطراب وضعيته المهنية والأسرية، وإما في الحالة الثانية فإن الطبيب يوهم المفحوص بأنه معافى من أي مرض أو أن إصابته أو الأوجاع التي يعانيها جد بسيطة، فيؤدي ذلك إلى تفاقهم المرض واستحالة علاجه لعدم مبادرة المريض إلى سلوك سبل العلاج المناسب -يشدد المتحدث-. وأشار المتحدث نفسه إلى أن القانون الجنائي المغربي وكذا ظهير الالتزامات والعقود لا يحمل الطبيب المخطئ في التشخيص أية مسؤولية جنائية أو مسؤولية تقصيرية، موضحا أنه بالنسبة للمسؤولية الجنائية للطبيب فإنها لا تقع إلا إذا أدى عدم تبصر الطبيب أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين إلى القتل أو الجرح أو مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية لمدة تزيد عن 6 أيام وذلك حسب مقتضيات الفصول 432 و433 و434 من القانون الجنائي . وفيما يتعلق بالمسؤولية المدنية، أكد توفيق مساعف على أنها لا تقع إلا إذا أثبت المفحوص أن الطبيب ارتكب خطأ ما تسبب مباشرة في الضرر الحاصل له، مشيرا إلى أن هذا الأمر مستبعد في الخطأ في التشخيص لأنه لا يعتبر خطأ مهنيا في القانون المغربي. وفي الاتجاه نفسه، أضاف «مساعف» أن الخطأ في التشخيص يؤدي لا محالة إلى أضرار معنوية ومادية جسيمة، إلا أن القانون المغربي لا يعتبره خطأ مهنيا أو جريمة مهنية تستوجب العقوبة وجبر الضرر بالتعويض، على خلاف الخطأ في العلاج الذي يتسبب في الإضرار بالمريض أو وفاته، فإن القانون المنظم لمهنة الطب يرتب على ذلك متابعة تأديبية متدرجة من الإنذار إلى التوبيخ إلى التوقيف عن العمل تم إلى التشطيب من جدول الأطباء، كما يترتب على ذلك تكييف خطأ الطبيب المهني بأنه جنحة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي في الفصول 432 و433 و434 بالسجن والغرامة إذا كان نتيجة عدم تبصر الطبيب أثناء العلاج أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، بالإضافة إلى الحكم بتعويض مناسب مادي ومعنوي للمصاب أو ذوي حقوقه إرتكازا على المسؤولية التقصيرية التي يتحملها الطبيب سواء تم ذلك أمام القضاء الجنائي أو القضاء المدني طبقا لأحكام الفصول 77و78 و79 و80 من ظهير الالتزامات والعقود، أو حتى القضاء الإداري إذا وقع الخطأ المهني داخل مستشفى عمومي. وخلص «مساعف» إلى أن مسؤولية الطبيب جسيمة، وخطيرة لأنها تهم حياة الإنسان ووجوده وسلامته التي هي أمانة ومسؤولية تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها الدستورية الشيء الذي يتعين معه تكوين وتأهيل الأطباء الأكفاء والعناية بظروف عملهم ورواتبهم، وكذا حماية المريض من كافة الأخطاء التي يتسبب فيها الأطباء عند التشخيص والعلاج وتؤدي إلى الإضرار بصحتهم الجسدية و النفسية.