ما وجدت غير هذه الكلمة: الدخيل؛ لتوصيف حالي في المغرب اليوم، في مهنة اسمها الصحافة. لم تعد للخبر قيمته، ولا الركض طيلة النهار لإنجاز تقرير إخباري مهني قيمته في المغرب، لا أحد يتابع ولا أحد يعلق، الغالبية العظمى تتبنى فكرة #تراند، أي الأكثر رواجا، أي ما يحدث أزيزا أكبر. أصبح كثر يهربون لما أتواصل معهم، لأني متهم بمعالجة الخبر، وبإتقان قوانين القرب، وضبط الهرم المقلوب، والتشبع بالإحساس العارم، وبالسعي إلى إتقان صنعة الفن النبيل، أي الريبورتاج أو الاستطلاع الصحافي. لا يمكن بتاتا إنكار المسؤولية المشتركة بين الجميع، بمن فيهم نحن الصحافيون المهنيون، عن وصول مهنتنا إلى مجاري الصرف الصحي، وإلى كل لافظ لكلام بذيء، وإلى كل حامل كاميرا يمارس مسلسل ابتزاز يومي. ففي زمن مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي والهواتف والألواح الرقمية الذكية، كل الناس تكتب الخبر، وتقدم نفسها على أنها صحافية؛ ففي مؤتمر في مقر حزب العدالة والتنمية الإسلامي، في حي الليمون في المغرب، في العام 2011؛ قدم شاب نفسه أمام الجميع: "فلان الفلاني.. صحافي فيسبوكي". أقر بأنني استشعرت الخطر باكرا، وكتبت وكتبت، وصرخت وحذرت، ولكن لا حياة من أجل صحافة حية ومهنية..هذا وسط الانهيار الذي يعيشه المغرب في الحياة الحزبية والسياسية، وهيمنة الوصولية والاتكالية والانتهازية. لماذا نزلت الكتل البرلمانية سقف قانون الصحافة؟ ولماذا غاب تعريف مهني دقيق لمهنة الصحافة؟ لماذا كل هذا الخوف في المغرب من الصحافة المهنية؟. أعتقد أن حالة تحالف قوى سياسية وحزبية ومجتمعية، والتي يمكن وصفها مجازا بالحية، ضد الصحافة، فعملت على محاصرتها لتظل بدون مصادر، كما أقدمت على ضرب متتال لنموذجها الاقتصادي، أي عدم السماح لأي نموذج صحافي مهني بالاستمرار في الحياة إلا بقبول قواعد لعب لاعبين لا يحبون على ما يبدو الصحافة المهنية. وأسأل من هو الصحافي المهني في المغرب؟ هل من تعريف يمكن اعتماده؟. أنا لست معارضا سياسيا ولا أي شيء من هذا القبيل، أنا صحافي مهني يريد الاستمرار في ممارسة مهنة الصحافة في أجواء نظيفة وسليمة وقانونية، وفيها احترام لمهنة الصحافة من الجميع. لم تعد الكتابة أنينا باسم الصحافة تفيد في شيء، أعلم هذا جيدا، وأرى كتاباتي مرثيات الغرقى، يرسلون بها أثرا بعد رحيلهم القريب المرتقب، من بلاط صاحبة الجلالة؛ وأتساءل مع آخرين ربما يتقسامون معي نفس الحزن: ألهذه الدرجة لا قيمة للصحافة في المغرب؟. أومن بأن الصحافة في المغرب ليست رهانا ولا خيارا، هي مهنة يدخلها الجميع ب"سباطهم"، أي بأحذيتهم، من دون حسيب أو رقيب، كل حامل لبوق وكل لابسة قفطان وواضعة كيلوغرامات من مساحيق التجميل. يسأل الحامل للبوق الواقف إلى جواره، ويجري تحميل المادة على مواقع التواصل الاجتماعي، مع لبوس فني سريع، وتبدأ لعبة مطاردة المليونية الأولى. لا يمكن في تقديري في مغرب اليوم الحديث عن إعلام مهني، لأنه غير موجود، ولا يمكن إلا التمسك بأمل ولادة ظروف عامة قانونية وإدارية، ورغبة حكومية وسياسية حقيقية، ومناخ انفتاح جديد، لإنجاح مخاض يسبب ولادة طبيعية لأحد أنبل المهن في الأرض، أي الصحافة. أما ما يوجد في المغرب اليوم فهو عبث يركب على عبث، ويطارد سراب تجميع الرقنات، ولا أدل على ذلك اللازمة التي تسبق كل فيديو: "اضغط على زر الإعجاب، وعلى زر الجرس، كي يصلك كل جديد"، عفوا هذه صيغة بعربية أنيقة، أما هم فيفضلون اللسان العامي الدارج. بات من المستحيل التعايش مع الكهربائيين، وأعترف لهم بأنهم دمروا الحصن، وأسلمهم بكامل طواعيتي مهنة الصحافة، كما أومن بها، وأقول لهم عيثوا فيها فسادا كما تشاؤون، لأن يدا واحدة لم تصفق ولن تصفق. وأعتقد أن المغرب يدفع ثمنا باهظا اليوم في أمنه الإعلامي، وفي صورته أمام المجتمع المغربي، وأمام العالم، لأن هذا الكم الهائل من الأخبار غير الدقيقة وغير الصحيحة، التي يجري نفيها رسميا كل يوم، يعكس وجود ضرر إخباري. كما أن المؤسسات الإعلامية المغربية الرسمية، من وكالة أنباء وقنوات تلفزيونية وإذاعات، غير قادرة على التغطية أو إزاحة مواقع الكهرباء، وما تفرضه يوميا من قصف بمواضيع ليست مواضيع، وبأسلوب لا يمكن بتاتا التسليم بأنه عمل صحافي!!!. إن التشوف في الصحافة المغربية أنتج دروبا مظلمة طيلة 24 ساعة و7 أيام في الأسبوع، فلا ألوان ولا هبة فيها إلا ضرر جسيم، يلحق بالأمن الإعلامي الجماعي المغربي. دافعت دائما عن الحريات الإعلامية والصحافية في المغرب، لأن الصحافة ضرورة للحياة للمجتمع، مثل الماء والهواء، ولكن اليوم أصرخ وحيدا مثل الأحمق، كما أفعل منذ 2015، محذرا من زلزال كبير يمكن أن يصل إلى تسونامي، سيقلب بلاط صاحب الجلالة رأسا على عقب، أو قد يساويه مع الأرض، وهذا ما يبدو أنه تحقق في العام 2019، أمام صمت الجميع وبتواطؤ من الجميع. وأدعوكم إلى قراءة فاتحة القرآن الكريم ترحما على الصحافة في المغرب. فيما أقول لمن خطط لقتل الصحافة المغربية، نجحت في إكمال مهمتك على أحسن وجه ممكن، وتستحق كل تنويه لأن المهمة نجحت.