تُحاور قصائد الأديب والصحافي اللبناني عبده وازن في ديوانه الجديد "لا وجه في المرآة" الحياة بحلوها وخوفها وقلقها ومآسيها التي جلبتها الحروب. والديوان الصادر عن دار المتوسط هو العاشر لوازن، ويمثل تجربة مختلفة عن الدواوين السابقة، لكونه أكثر انفتاحا على العالم وأعمق محاورة مع الحياة بلغة أدبية رشيقة، وصور شعرية غير مألوفة تحاكي أعماق الإنسان. وقال وازن لرويترز: "صحيح أن البعد الميتافيزيقي لا يغيب بتاتا عن شعري، وحتى عن رواياتي، لكنني في هذا الديوان كتبت قصائد مرتبطة باللحظة الإنسانية الراهنة". في قصيدة (شبح) كتب وازن: "لا وجه لي أراه في المرآة، لا عينين لي أخبّئ فيهما سماء، الشعاع الذي عبر محا صورتي، وصرت كالطيف لا يبصره أحد، أعبر أبوابا مغلقة، الجدران لا أترك فيها أثراً، والسياج لا يجرح يديّ. إذا لفحني هواء، أترنّح خفةً، أحلّق قليلاً، ثم أسقط كورقة خريف. إنني الشبح، الذي فقد عينيه، قبل أن يخرج من الظلام". وعن خلفية هذه القصيدة يقول الشاعر: "استوحيت هذه القصيدة التي اخترت منها عنوان الديوان من رؤيتي على شاشة التلفزيون وجها محروقا كليا لشخص ميت، تخيلت صاحب هذا الوجه المحروق ينظر في المرآة فلا يرى وجهه". ويضم الديوان أيضا قصائد حب تتوجه إلى المرأة بكلام حميم ويومي. ويقول وازن: "كتبت مثلا قصيدة من وحي أغنية فيروز (أهواك) التي تخاطب فيها القمر قائلة "يا بدر أنا السبب أحببت بلا أمل"، وهي من كلمات زكي ناصيف وتلحينه"، ويضيف: "كتبت أصلا أكثر من قصيدة عن تجربة الحب الذي يقوم من دون أمل بالتحقق، حب يظل من طرف واحد، لكنه حب قوي جدا وجارف، وقد خبرته في حياتي". كما يضم الديوان بين دفتيه قصيدة طويلة يرثي فيها وازن الشاعر اللبناني أنسي الحاج، كتبها بعد سنة على رحيله. وكان وازن انصرف إلى كتابة الرواية في السنوات القليلة الماضية، وصدرت له حتى الآن ثلاث روايات، آخرها (البيت الأزرق)؛ وهو يُنهي الآن روايته الرابعة، غير أنه "لم يتوقف يوما عن كتابة الشعر" كما يقول، وقال لرويترز: "اكتشفت فعلا، أنا الذي نشأت شاعرا وسأظل شاعرا، أن هناك قضايا راهنة فردية وجماعية أريد أن أعبر عنها لأنني أعاني منها كما يعاني منها المجتمع نفسه، ووجدت أن الشعر لا يحتمل التعبير عنها؛ فالشعر قائم على الشفافية والإيحاء والإيجاز بينما تتطلب هذه القضايا معالجة سردية مفتوحة على ميادين عدة، مثل علم النفس وعلم الاجتماع وسواهما". وأضاف الشاعر: "كتبت قصائد عن الحرب اللبنانية مثلا، لكنني شعرت بأن الرواية تستطيع أن تحيط بشؤون الحرب بطريقة أوسع وأشمل من الشعر. وهناك قضايا كثيرة مثل اللاعدالة والظلم والهوية والمآسي اليومية والصراعات الطبقية والاجتماعية، هذه القضايا تعبر عنها الرواية أكثر من الشعر، بل هي من شؤون الرواية بالأصل"، وتابع قائلا: "الشعر هو جوهر تجربتي، هو الأساس، وأنا شاعر قبل أن أكون أي شيء آخر، قبل أن أكون صحافيا وناقدا وروائيا. الشعر ليس فقط فعل كتابة، هو أيضا فعل وجود، طريقة وجود. إنني أعيش الشعر باستمرار، حتى لو لم أكتب فأنا أعيش الشعر". ويرى وازن أن كتابة الشعر أصعب من الكتابة السردية، وذلك على عكس ما يعتقده البعض، وقال: "الشعر أصعب لأنه يحتاج إلى التأمل والانسحاب والاختمار، إضافة إلى التمرس اللغوي، فلغة الشعر تختلف عن لغة النثر والسرد، إنها لغة وجودية تجسد أحوال اللامرئي والغائب وتحفر في الذات وطبقاتها الداخلية". ورغم عشقه للشعر يعترف وازن بأن الرواية حققت خلال السنوات الماضية رواجا أكبر على المستوى العربي، وهو ما عزاه إلى عدة أمور من بينها ذائقة القراء ودور النشر، وقال: "صحيح أن الرواية اليوم تطغى على المشهد الأدبي العربي الراهن، وقد حقق صدور الروايات أرقاما هائلة لم تكن معهودة في السابق، لكن الشعر لازال حاضرا بقوة أيضا. وفي العالم العربي اليوم أجيال شابة تكتب شعرا مهما وحقيقيا وجديدا". وأضاف وازن: "لدينا فعلا شعراء كبار في كل العهود، إلا أن مشكلة الشعر اليوم في انحسار عدد قرائه.. هذا أمر يجب الاعتراف به. ثم من المعروف أن دور النشر في العالم العربي لا تقبل كثيرا على نشر الشعر، فهي تدعي أنه مدعاة للخسارة بسبب انحسار سوقه. معظم الشعراء الجدد والشباب يطبعون على حسابهم، ونادرة هي الدور التي تنشر لهم مجانا. أما الرواية فتلقى إقبالا من الناشرين، بل إن الناشرين يبحثون بأنفسهم عن الروائيين وأعمالهم، فسوق الرواية جيد وأرقام مبيعاتها عالية. ولعل ما شجع رواج الرواية كتابة ونشرا هو انتشار ظاهرة الجوائز، ولاسيما جوائز البوكر وكتارا والشيخ زايد والسلطان قابوس، ناهيك عن الجوائز المحلية في مصر مثلا". *رويترز