في أخبار الظهيرة ليوم الثلاثاء 3 شتنبر 2019 بالقناة الثانية، نقلت لنا المذيعة سناء رحيمي خبرا صادما حول العثور على جثة سيدة صباح يوم الإثنين 2 شتنبر 2019 بأحد أزقة حي الفرح بالمقاطعة 22 التابعة لعمالة الفداء-درب السلطان. وهي الجريمة التي روعت سكان المنطقة واهتزت لها قلوبهم، وتداول نشطاء الفضاء الأزرق صورها على نطاق واسع في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لاسيما أن القتيلة كانت مكبلة وملفوفة في كيس بلاستيكي، قبل أن يعمد المجرم أو المجرمون إلى إضرام النار في جسدها. وهو الحادث الذي أعاد الجدل من جديد حول تفشي الجريمة بالعاصمة الاقتصادية، وباشرت على إثره السلطات الأمنية بموازاة مع نقل الجثة إلى مستودع الأموات وإخضاعها للتشريح الطبي، تحقيقا عاجلا لفك لغز الجريمة والكشف عن ظروفها وملابستها، حتى تعود السكينة والطمأنينة لأهل الحي. وجدير بالذكر أن المغاربة عامة والبيضاويين خاصة، لم ينفكوا خلال السنوات الأخيرة وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر والأمية والبطالة والهجرة القروية وترويج المخدرات، يتذمرون من تنامي الجريمة بمختلف أشكالها وتزايد مظاهر النهب والسلب والاعتداءات الجسدية على المواطنين حتى في واضحة النهار. ويوثقون لتلك العمليات الإجرامية المرعبة عبر صور ومقاطع فيديو، ويطالبون بإلحاح شديد الأجهزة الأمنية بالمزيد من اليقظة ومضاعفة الجهود، للحفاظ على سلامتهم وحماية ممتلكاتهم الخاصة، عبر تضييق الخناق على المجرمين والعصابات الإجرامية التي تعيث في أحيائهم فسادا، توزع الرعب وتهدد الاستقرار الأمني والنفسي. إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا صحف ومواقع إلكترونية ومختلف وسائل الإعلام بحالات إجرامية متعددة من هنا وهناك بكافة أرجاء المدينة/الغول... والدارالبيضاء هي القلب النابض للمغرب وعاصمته الاقتصادية، تتميز بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وتجمعها العمراني، ونموها الديمغرافي المرتفع. وهي نقطة جذب للاستثمارات وقطاعات السياحة والصناعة والتجارة والخدمات، كما أنها مختبر للمشاريع العملاقة وقطب شرايين الاقتصاد الوطني... وهي كذلك مدينة التناقضات الكبرى كما قال ملك البلاد في أحد خطاباته بمناسبة افتتاح إحدى الدورات التشريعية: "... فالدارالبيضاء هي مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة. وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح. وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها" وكان هذا القول الصريح بمثابة ناقوس خطر للمسؤولين والمنتخبين، بيد أنهم ظلوا للأسف بعيدين عن استيعاب مراميه، لتتفاقم مشاكل المدينة ويعم القلق والرعب ساكنتها. فها هي اليوم تعاني ليس فقط من الترييف والزحف الإسمنتي وقلة المناطق الخضراء والسكن العشوائي والدور المتهالكة وتلوث الهواء والشوطئ، وسوء التدبير وغياب الحكامة وأزمة النقل وتراكم الأوحال والأزبال وانتشار ظاهرة التسول، بل تشكو أيضا من تفاحش الجريمة كما تشهد بذلك معطيات الإدارة العامة للأمن الوطني، حيث تتصدر السرقة تحت التهديد بالسلاح والسرقة بالنشل قائمة الجرائم، ا ثم تأتي بعدهما سرقة السيارات والسرقة الموصوفة. إذ صار البيضاويون لا ينشدون عدا العودة وأبناءهم إلى بيوتهم سالمين أمام ما يتناهى إلى أسماعهم من أخبار عن تفشي "التشرميل" وانتشال الهواتف المحمولة والحقائب اليدوية، وما يشاهدونه من صور فظيعة عن جروح غائرة وغيرها من المشاهد الدامية المروعة، ويكفي القيام بزيارة أقسام المستعجلات ليلا للوقوف على حجم هذه الجرائم البشعة. ويكشف مؤشر الجريمة الذي يصدر سنويا عن الموقع الأمريكي "ناميبو"، عن تصاعد معدل الجريمة بالمغرب، وتعتبر الدارالبيضاء ثاني أخطر حاضرة في شمال إفريقيا من حيث ارتفاع نسبة الجريمة، كما يشهد بذلك احتلالها المرتبة 13 في قائمة المدن غير الآمنة في إفريقيا بحصولها على معدل جريمة يفوق 53 نقطة مسبوفة بمدينة القاهرة المصرية، ومتبوعة بكل من الجزائر وتونس. ويعزى ترتيبها المتقدم على مستوى بلدان شمال إفريفيا إلى عدة عوامل مؤشرة، من أبرزها ارتفاع معدلات القتل والسطو والسرقة والاغتصاب. والجريمة سلوك مخالف للنظم الاجتماعية السائدة أو السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، وهي الظاهرة التي لم يعد هناك مجتمع يخلو من آثارها. مما جعل المشرع المغربي يضع لها نصوصا قانونية، يتحدد بموجبها الفعل الجرمي المرتكب والعقوبة المقابلة له، تطبيقا للقاعدة المعروفة في القانون الجنائي: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص". والجريمة مشتقة من كلمة جرم التي تعني الاعتداء على حق يحميه الشرع أو القانون، وهي فعل مناف لتلك القواعد ومتعددة الأسباب، إلا أنه يمكن إجمالها في ما هو ذاتي متعلق بشخصية المجرم نفسه، ومنها ما هو موضوعي مرتبط بالظروف العامة التي يعيش في كنفها المجرم، ومنها ما يختلط فيها الذاتي بالموضوعي في ذات الوقت، وهو النوع الشائع بيننا، بحيث يجد الباحث المختص في السلوك الإجرامي، أن السبب الرئيسي للفعل الجرمي يعود بالأساس إلى ظروف اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، لاسيما في المجتمع الذي يسود فيه الظلم والقهر والفساد الاقتصادي واحتكار الثروات والبطالة وانتشار المخدرات... ودون إغفال ما يتعرض له الضحايا من إهمال وعدم تلقي أي دعم نفسي ومواكبة لظروفهم بعد الجريمة، وكيف يتعامل الناس معهم ومدى قدرتهم على إعادة الاندماج في المجتمع، فإن الضرورة باتت ملحة إلى إحداث رجة قوية تعيد لمدينة الدارالبيضاء توازنها، من حيث تجديد مناصب المسؤولية والارتقاء بأوضاعها، تطهيرها من كل مظاهر الانحراف والإجرام التي تسيء إلى سمعتها وتحول دون شعور المواطن بالأمن والاطمئنان...