لا تزال ذكرى الحرب العالمية الثانية الأليمة حاضرة في وجدان بولونيا، التي خلدت قبل أيام قليلة ذكرى اندلاعها الثمانين، وهي الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية التي أودت بحياة حوالي 60 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم. وقد تأثرت بولونيا بشدة بأهوال الحرب العالمية الثانية، التي فيها مرت أطوار حزينة كثيرة، وكانت من بين البلدان التي أدت ثمن هذه الحرب الدامية غاليا، حيث لقي مصرعه أكثر من ستة ملايين شخص. وانطلقت الحرب العالمية الثانية مع غزو النظام الألماني النازي لبولونيا في الأول من شتنبر من سنة 1939 بقصف بحري لحامية فيستربلات على ساحل بحر البلطيق، بالقرب من مدينة غدانسك، وجوي لمدينة فيلون البولونية الصغيرة. وخلال المراسم المخلدة لذكرى اندلاع الحرب العالمية الثانية، التي حضرها الرئيس البولوني أندريه دودا في فيلون وأقيمت يوم الأحد عند الفجر في الوقت بالضبط الذي تعرضت البلدة آنذاك لهجمات بالقنابل، قدم الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير اعتذارا رسميا لبولونيا و لضحايا العدوان النازي قبل 80 عاما، وأقر شتاينماير بالواضح بمسؤولية بلاده خلال الحرب العالمية الثانية وسقوط أناس كثيرين ضحايا طغيان النظام الألماني آنذاك وعدوانيته. ونظمت مراسم موازية في بلدة غدانسك الساحلية، موقع إحدى المعارك الأولى للحرب العالمية الثانية حضرها رئيس الوزراء ماتيوس مورافيتسكي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس. وكان مورافيتسكي حريصا على التذكير بالخسائر المادية والنفسية والاقتصادية والمالية الهائلة التي تكبدتها بولونيا خلال الحرب العالمية الثانية وبحقها في أن يجبر ضررها. وأقيمت هذه الاحتفالات بحضور 40 ضيفا أجنبيا بارزا، بمن فيهم نائب الرئيس الأمريكي مايك سبينس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فيما لم تتم دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان من المقرر أن يلقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابا يوم الأحد الماضي بمناسبة الذكرى الثمانين لاندلاع الحرب العالمية الثانية، قبل الشروع في زيارة رسمية لوارسو تستغرق يومين، كان من المتوقع أن تثار خلالها قضايا من صميم اهتمام البلدين، وتلامس مواضيع مثل التعاون العسكري والطاقة وقضية الدونباس شرق أوكرانيا. واهتمت السلطات البولونية كثيرا بهذه الزيارة، كإشارة قوية وجديدة تعكس نوعية العلاقات التي تجمع بين واشنطنووارسو، لكن دونالد ترامب قرر إلغاء زيارته لبولونيا لأسباب طارئة، وبالتحديد لمتابعة ومواكبة تطور إعصار دوريان الذي يتهدد الولاياتالمتحدة. وشدد رئيس الوزراء البولوني على أن الاعتذار الذي تقدمت به ألمانيا، بعد 80 عاما من تعرض بلاده للهجمات الأولى، مهم لكنه لن يمحو آثار آلام شعب بولونيا برمته والفظائع التي ارتكبها النظام النازي والتي يحس بها البولونيون الى يومنا هذا، ولازالت جاثمة على صدورهم وتقوض مضجعهم بشدة وألم كبيرين. واعتبر أن الاعتذار الصادر من ألمانيا لا يمنع بولونيا من التأكيد على ضرورة معالجة مسألة التعويضات المالية التي تطالب بها وارسو جارتها الغربية بإلحاح. لكن بالنسبة للحكومة الألمانية، فإن موضوع التعويضات قد تم إغلاقه منذ فترة طويلة. ومع ذلك يعتقد الحزب الحاكم في بولونيا (القانون والعدالة)، القومي المحافظ، أن القضية لم يتم الحسم فيها بعد. وتقوم لجنة برلمانية بولونية حاليا بتقييم الخسائر التي تكبدتها البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، وترى وارسو أن قيمة التقديرات، التي تريد الحصول عليها من برلين كتعويضات عن خسائر الحرب العالمية الثانية، يجب أن تتجاوز 800 مليار يورو. *و.م.ع