انطلقت، الاثنين، الحملة الانتخابية الرئاسية في تونس، بعد شهر ونصف على وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وسط ضبابية في الرؤية وتحدّ يتمثل في ضرورة أن ينجح البلد الوحيد الناجي من تداعيات "الربيع العربي"، في تمتين مكتسباته الديمقراطية. وجاء في تقرير لمركز "جسور" التونسي للأبحاث "للمرة الأولى لا يملك التونسيون فكرة عن من سيكون الرئيس"، مضيفا "عام 2014، كان هناك بطلان: الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي والسبسي... لكن اليوم كل شيء وارد". وبين الموعدين، تراجع بشكل كبير دور حزب "نداء تونس" الفائز في انتخابات 2014. ودفع موت الباجي قائد السبسي في 25 يوليوز عن سن 92 عاما، قبل وقت قصير من انتهاء عهده، إلى إعلان انتخابات رئاسية مبكرة كان يفترض أن تجري في 17 نونبر بعد الانتخابات النيابية المحددة في أكتوبر. وستجري الانتخابات التشريعية إذا بين دورتي الانتخابات الرئاسية، ومن المحتمل أن تكون لنتائج الدورة الأولى تأثير على الناخب في الانتخابات النيابية في السادس من أكتوبر. "حرب سياسية" وتمكنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وبعد حملات متواصلة استغرقت أشهرا، الوصول إلى تسجيل أكثر من سبعة ملايين ناخب مدعوين إلى الاقتراع يوم 15 شتنبر، بعد نسبة عزوف انتخابي لافتة في الانتخابات البلدية عام 2018. وانطلقت الحملة الدعائية للأحزاب السبت أيضا في خارج البلاد وفي دول أوروبية على غرار فرنسا وإيطاليا، بالنسبة إلى بعض المرشحين من ال26 الذين يخوضون السباق نحو قصر قرطاج. ولا يزال قطب الإعلام نبيل القروي، أحد أبرز المرشحين للرئاسة، يثير الجدل إثر توقيفه يوم 23 غشت خلال عودته من منطقة باجة (غرب)، بتهمة "تبييض أموال" وجهها إليه القضاء منذ ثلاث سنوات. واتّهم حزب "قلب تونس" الذي يرأسه القروي، رئيس الوزراء يوسف الشاهد بالسعي إلى قطع الطريق عليه لأنه يشكل منافسا جديا؛ وهو ما فاقم التوتر قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية. ويرى مراقبون وكذلك منافسون للقروي في الانتخابات أنه تم توجيه القضاء وتسييسه، خصوصا أن حكومة الشاهد كانت قدمت مشروع تنقيح للقانون الانتخابي يحول دون إمكانية ترشح القروي، وصادق عليه البرلمان؛ لكن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لم يوقعه. ونفى الشاهد الاتهامات، وقال إنها تدخل في إطار "الحرب السياسية". وأكد أن عملية توقيف القروي ساهمت في زيادة شعبيته باعتباره ينشط كثيرا في الحملات الخيرية وجمع التبرعات لفائدة المحتاجين من المجتمع التونسي. وكان الشاهد والقروي وأربعة مرشحين آخرين من المقربين لحزب "نداء تونس"، الذي أسسه السبسي عام 2012؛ لكن الحزب يعاني اليوم من انقسامات أضعفت من تأثيره في الساحة السياسية. ورشح حزب "النهضة" ذو الجذور الإسلامية للمرة في تاريخه شخصية من صفوفه هو رئيس البرلمان بالنيابة عبد الفتاح مورو، المحامي السبعيني بلباسه التقليدي الذي يدافع عن انفتاح الحزب والذي يلقى احتراما واسعا بين التونسيين. وقررت الهيئة المستقلة للانتخابات منع نشر استطلاعات للرأي عن الأحزاب، ما يزيد من صعوبة تقييم شعبيتها وثقلها الانتخابي؛ لكن تصدر القروي لمدة طويلة قائمة الشخصيات الأكثر تأثيرا على التونسيين في عمليات استطلاع للرأي قامت بها شركات خاصة. ويرى المحلل السياسي حمزة المدب أن مورو قد يصل إلى "الدور الثاني... لكن لا يعرف من سيكون منافسه بالنظر الى الانقسامات في المشهد العلماني، قد يكون الشاهد أو القروي أو عبد الكريم الزبيدي"، وزير الدفاع المستقيل. وظهر الزبيدي السبعيني، بشكل لافت، خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى الباجي قبل وفاته؛ وهو ما دفع الكثيرين إلى اعتباره خليفته. ويقول المدب: "هي انتخابات مفتوحة، وستظل كذلك ربما إلى الدور الثاني". ويتوقع كثيرون حصول مفاجآت خلال الحملة الانتخابية. وأصبحت لأستاذ القانون الدستوري الذي يخوض غمار السياسة حديثا قيس سعيد مكانة متقدمة في عمليات استطلاع الرأي، لكن وفي غياب دعم حزبي، تصعب أمامه الطريق. كما يشارك في الانتخابات وزراء سابقون مثل المهدي جمعة وحمادي الجبالي الذي انفصل عن حزب النهضة، بالإضافة إلى عبير موسي التي ترفع لواء مناهضة الإسلاميين والدفاع عن نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وشهدت تونس، في 2011، صراعا بين من يناصرون الثورة ومناهضين لها. وفي العام 2014، تحولت وجهة الخطاب السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين، ومن المنتظر أن يكون محور الانتخابات الرئاسية 2019 بين "من ضد ومن يدعم النظام"، وفقا لمنظمة "جسور". وستلقي الأزمة الاقتصادية في البلاد بظلالها على النقاش السياسي. *أ.ف.ب