ينقل أحمد عموري على دراجته النارية مياهاً باردة لرفاقه في الجيش السوري، بعدما أنهكهم العطش وهم يرصدون من تحت أشجار الفستق الحلبي المنتشرة بكثافة في بلدة مورك جنوب إدلب، نقطة مراقبة تركية مطوقة على بعد عشرات الأمتار. ويوضح أحمد، شاب في العشرينات من عمره لوكالة فرانس برس بينما يحمل كيساً بلاستيكياً مملوءاً بعبوات المياه يوزعها على زملائه الذين أنهكهم العطش: "عاد الهدوء الآن إلى مورك". يتحرّك أحمد ورفاقه في مواجهة نقطة المراقبة التركية التي يطوقها الجيش السوري منذ يوم الجمعة، إثر سيطرته على العديد من البلدات في ريف حماة الشمالي جنوب إدلب. وتقع نقطة المراقبة، وفق ما شاهد مراسل فرانس برس، على هضبة تشرف على البلدة ويزنّرها سياج شائك بالإضافة إلى جدار إسمنتي مرتفع يعلوه العلم التركي، بينما خلت أبراج المراقبة السبت من أي جنود أتراك. وهذه النقطة هي واحدة من 12 نقطة مراقبة تنشرها تركيا، الداعمة للفصائل المقاتلة، في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق خفض التصعيد مع روسيا، حليفة دمشق. ويقول أحمد، على هامش جولة نظمها الجيش السوري السبت للصحافيين: "اليوم استراحة بالنسبة إلى المقاتلين، ولا نشعر بأي قلق جراء وجود نقطة المراقبة التركية". ويعكس هذا المشهد تعقيدات النزاع المتشعب الأطراف الذي يمزّق سوريا منذ مارس 2011، وتشارك فيه قوى عدة مدعومة من جهات إقليمية ودولية تنشر جنودها في مناطق عدة. وبعد ثلاثة أشهر من القصف السوري والروسي على مناطق في إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتوجد فيها فصائل أخرى أقل نفوذاً، بدأت القوات الحكومية بدعم روسي هجوماً في جنوب إدلب في الثامن من الشهر الحالي. وتمكنت من السيطرة على مدينة خان شيخون الإستراتيجية والتقدم جنوبها وصولاً إلى مورك. "لوحوا لنا" يتجمع أحمد ورفاقه حول أحد ضباط الجيش السوري، وهو يعطيهم التعليمات الجديدة الخاصة بإعادة الانتشار والتمركز في مورك. يفتح خارطة صغيرة يشير فيها إلى موقع النقطة التركية، ونقاط انتشار الجيش السوري. ويقول الضابط متحفظاً عن ذكر اسمه لفرانس برس: "مررنا بجانب نقطة المراقبة التركية، لم يتعرض لنا الجنود الأتراك، ولم نتعرض لهم (..) شاهدناهم وشاهدونا بوضوح". ويوضح "لوّحوا لنا أثناء مرورنا، ولم يحدث أي إطلاق نار من أي جهة"، مضيفاً "ننتظر الأوامر لمعرفة الخطوة التالية". في مورك كما في خان شيخون الواقعة على بعد ثمانية كيلومترات شمالها، تخلو الشوارع من أي حركة للمدنيين، بينما تتابع مجموعات من الجنود أعمال التمشيط والتفتيش وإزالة الألغام والمتفجرات من على جوانب الشوارع والأزقة. ويلفّ الدمار معظم المنازل والبيوت. ودفع التصعيد، منذ نهاية أبريل، أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح، وفق الأممالمتحدة، بينما قتل أكثر من 900 مدني وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان. ويشرح الضابط: "سنعمل على إعادة المدنيين بأقرب وقت ممكن" بعد انتهاء أعمال التمشيط. في أحد شوارع خان شيخون، يبدي الجندي محمد العواج (27 عاماً) سعادته بعودته إلى مدينته، بعدما تركها منذ العام 2012، إثر سيطرة الفصائل المقاتلة عليها، على الرغم من التغيرات الكثيرة التي طرأت عليها ودمار منزله. ويقول لفرانس برس: "وجدت منزلي محروقاً وحارتي مدمّرة (..) وتغيّرت الكثير من ملامح المدينة". وتفاجأ هذا الشاب برؤية امرأة مسنّة من جيران عائلته، لم تفارق منزلها، وهي إحدى عائلتين التقى بهما مراسل فرانس برس في المدينة الخالية من سكانها. ولا يخفي حسين حسان دادو، وهو شاب في العشرينات ويحمل بندقيته على كتفه، تأثره بالعودة إلى مدينته التي يعرف "شوارعها شبراً شبراً". يحمل حسين البندقية على ظهره، بينما تغطي الغبار ثيابه، ويقول "خرجت من خان شيخون قبل سنوات وكانت جميلة للغاية؛ لكن اليوم عدتُ (...) ولم أتعرّف إليها". *أ.ف.ب