لا أحد ينكر أن خزان التنمية كان يسيل بوفرة من كثرة ثقوب المعيقات غير المقدور على سدها بحكامة المحاسبة والمساءلة، لذا فشلت بامتياز التنمية الوطنية الشمولية، وكان الإيمان بالحكمة الأولى والتسليم بها "المغرب ليس جزءا من تصورات المدينة الفاضلة". إن الإجابة العارية عن سؤال الأسباب التي أدت إلى فشل التنمية بمخططاتها الكمية السابقة، لمن شأنه أن يسيح في رمال متحركة، وممكن أن يزيد من فوضى عدم الترتيب العادل للثروة. ورغم، فالأجوبة حتى وإن كانت مبكية العيون، ومفزعة الضمائر فهي ممكن أن تقلص مسافة التشخيص الزمني، وتسد بضعة أثقاب خزان التنمية باقتراح نموذج تنموي جديد يحمل معايير وموازنات بسيطة و واقعية. براءة التفكير في نموذج تنموي جديد له أبعاد ممتدة ومتغيرة على مستوى مستقبل المغربي، له مؤشر استباقي يروم أساسا إلى تخفيض الاحتقان داخل المنظومة الاجتماعية الآيلة إلى التعقيد أكثر، براءة صناعة نموذج تنموي جديد ممكن ألا يكون من أجل العيون السود، بل بغاية جذب استثمارات العيون الزرق وتوفير السلم الاجتماعي ويد عاملة. لكن الأهم أن الدولة أرادت تشكيل رجة خلخلة اجتماعية واقتصادية وسياسية في أفق الإجابة عن مطالب مختزلة في ركني الكرامة والعدالة الاجتماعية. المشكلة أننا عرفنا إصلاحا دستوريا متقدما وتركناه يحمل فجوة بياضات وفراغات لم تملأ بعد قانونيا، المشكلة أن الدولة لم تقدر على تجريب الإصلاح السياسي (الأقطاب) مادامت الهون قد أصاب الأحزاب من الداخل وبفعل فاعل خارجي، مادام المنتوج التشريعي لا يستحسنه الشعب ويخلق جدالا صادما وهي الحكمة الثانية المرصودة " العيش في زمن إفلاس اللعبة السياسية، وتدني مستوى منظومة القيم، وتنامي الفوارق الاجتماعية". التاريخ يذكرنا منذ المخططات الخماسية بنسب الفشل، التاريخ يدون لنا أن المغرب عرف عدة لجان، وحين كانت الدولة تريد تعويم مشكلة "تشكل لجنة" كفرصة سانحة للنسيان والتناسي والقفز على لغة المساءلة والمحاسبة. حقيقة أن تخمة التشخيص أعيتنا بجري السرعة عن وضع البدائل البراغماتية العلاجية. حقيقة أننا نتقن فن النقد والهجاء مثل (جرير والفرزدق)، ولا نقدر على ابتكار البدائل و التصويبات السليمة. حقيقة أن الانسجام بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي أنتج لنا ماركة مغربية مسجلة من رجال الأعمال يمارسون (البيع والشراء)، يمارسون السياسية (التشريع)، يمارسون استغلال الحقل السياسي عبر(صندوق الانتخاب)، وحتى في قفة الدعم الاجتماعي (قفة رمضان). حقيقة أن توابل اللعبة غير المتجانسة النضج خبرتها الدولة وأحسنت استغلالها لتقوية جهاز رادار قياس سرعة الإصلاحات من بعيد. حين تفكر الدولة في لجنة بمهة (النموذج التنموي الجديد)، فإنها تسعى إلى دعم الطبقة الوسطى والتي هي كيس أمان عازل عن أية رجة اجتماعية، فإنها تريد التحرر من بعض الفوارق الاجتماعية التي تفاقمت باعتماد رؤية الثروة تصل إلى الجميع ولو بعمليات قسمة الإرث المجالية. هي الدولة التي تفكر في حلم المستقبل البعيد و خلق توازن اجتماعي غير قابلة لخلخة مثلث البنية الاجتماعية. من السذاجة البدائية أن تشتغل اللجنة على اقتراح البدائل دون مراعاة الواقع المغربي الحامل لحقول ألغام الفساد المتنوع، وتعيين مواقعه وعناوينه المعلومة، من الغباء الفكري ألا نستعين بافتحاص "الفيد باك" وتكشف عن الأسباب الحقيقة لفشل النماذج التنموية السابقة، وتحدد بوضوح الأسباب والمسببات، وأين ذهب أثر الثروة الوطنية؟. من حسن التخريجات الممكنة للجنة وهي بتفريط التخمين، حين تخرج علينا بلغة تقرير التوافق وتقول لنا" النماذج التنموية السابقة استنفدت مهمتها، بما لها وما عليها"، وهي الحكمة الثالثة والأخيرة "عفا الله عما سلف". نحن بالجمع الممكن ننتظر إجابات صريحة وسليمة عن فشل البرامج التنموية السابقة، ننتظر إجابات عن أساب "الحريك" و"الحراك" و" الهشاشة" و" بؤس الأمل في المستقبل" ولما لا عن أسباب تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية، ننتظر إجابات محددة في المكان والزمان عما ينجز من النموذج التنموي الجديد.